مجلس النوابالبرلمانمجلس المستشارين

You are here


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1999-2000

> الجمعة 08 أكتوبر 1999

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه


حضرات السيدات والسادة المحترمين أعضاء مجلسي النواب والمستشارين
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته,
في مستهل خطابنا هذا نود أن نعرب لكم ومن خلالكم لشعبنا العزيز عن غامر سعادتنا ونحن نفتتح السنة التشريعية الجديدة في بدايتها التي تصادف أولى دورة يعقدها البرلمان بعد رحيل والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه وأكرم مثواه.
وسيرا على نهجه رضوان الله عليه لتثبيت الديمقراطية، وبنفس العناية التي كان يعيرها لهذه المؤسسة الموقرة فإننا نولي بالغ اهتمامنا للمسؤولية التي تتحملون أعباءها بصفتكم ممثلين للمواطنين ترعون مصالحهم وتعبرون عن مطامحهم.
ونريد أن نؤكد لكم بدورنا ما نريده لهذه المؤسسة لتقوم بدورها كاملا سواء في الميدان التشريعي أو في مراقبة عمل الحكومة وفق الأدوات المتاحة لها. ذلك أننا نومن إيمانا راسخا أن قوام الديموقراطية هو فصل السلط وتوازنها.
إن التطورات التي عرفتها بلادنا في جميع المجالات ستدفعكم لا محالة إلى تقييم طريقة أعمالكم وإلى ملائمة الأدوات والنصوص القانونية لتستجيب للتطورات الاجتماعية والاقتصادية.
بل إننا نتطلع إلى أن تكون الأدوات القانونية قاطرة للعمل الاجتماعي ورافعة اقتصادية عوض أن تتخلف عن ركب التطور الاقتصادي والاجتماعي. ولا شك أن المسؤولية مشتركة بين الحكومة والبرلمان في ما يخص تحيين النصوص وملاءمتها للمستجدات.
بعد سنتين من هذه التجربة البرلمانية الحالية وتأكيدا لما سبق لوالدنا المغفورله أن نبه إليه، فإننا ننتظر من الغرفتين تنقيح نظاميهما الداخليين مع التنسيق بينهما عن طريق تشكيل لجان مختلطة اعتبارا منا أنهما ليسا برلمانين منفصلين ولكن غرفتان لبرلمان واحد ينبغي العمل فيه على عقلنة المناقشات ورفع مستواها وتفادي تكرارها وحسن تدبير الزمن المخصص لها سواء في أعمال اللجان أو الجلسات العامة تطلعا لممارسات أرقى ومنجزات أكثر.
حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان
إن مسلسل التحديث الذي نريده، ليحتم علينا الشروع في تشخيص قضايا واقعنا ومشكلاته الحالية والانكباب عليها بما يلزم من جد وحزم لإيجاد الحلول الناجعة والمناسبة لها.
ونرى في هذا الصدد أن نلفت الانتباه إلى مسألتين ملحتين تأخذ ببالغ اهتمامنا وتستبدان بانشغال الرأي العام الوطني.
المسألة الأولى تتعلق بالتعليم..فعلى الرغم من تراثنا الزاخر الأصيل في هذا المضمار ومالنا فيه من تقاليد عريقة راسخة وعلى الرغم من الجهود المتلاحقة التي بذلت طوال أزيد من أربعة عقود لجعل تعليمنا يواكب مرحلة استرجاع الاستقلال ومتطلبات بنائه فإننا نلاحظ أن الأزمة المزمنة التي يعانيها والتي جعلت والدنا رضوان الله عليه يعين لجنة ملكية خاصة ممثلة فيها جميع الهيآت والفعاليات لوضع مشروع ميثاق وطني للتربية والتكوين.
وقد شاءت الأقدار أن تنهي هذه اللجنة أشغالها دون أن يطلع والدنا المشمول برحمة الله على نتائجها. ونغتنم هذه الفرصة لننوه بعملها وبجهود كل أعضائها.
وقد اطلعنا على نتائجها ووجدناها تعبر عما نبتغي من تعليم مندمج مع محيطه منفتح على العصر بدون تنكر لمقدساتنا الدينية ومقوماتنا الحضارية وهويتنا المغربية بشتى روافدها.
إن غايتنا هي تكوين مواطن صالح قادر على اكتساب المعارف والمهارات مشبع في نفس الوقت بهويته التي تجعله فخورا بانتمائه مدركا لحقوقه وواجباته عارفا بالشأن المحلي والتزاماته الوطنية وبما ينبغي له نحو نفسه وأسرته ومجتمعه مستعدا لخدمة بلده بصدق وإخلاص وتفان وتضحية وفي اعتماد على الذات وإقدام على المبادرة الشخصية بثقة وشجاعة وإيمان وتفاؤل.
ونريد من مؤسستنا التربوية والتعليمية أن تكون فاعلة ومتجاوبة مع محيطها ويقتضي ذلك تعميم التمدرس وتسهيله على كل الفئات وبالأخص الفئات المحرومة، والمناطق النائية التي ينبغي أن تحظى بتعامل تفضيلي، وكذلك العناية بأطر التعليم التي نكن لها كل العطف والتقدير والتي هي في أمس الحاجة إلى مزيد من العناية بها والتكريم. ولقد أصررنا من منطلق حرصنا على تمتيع كل الفئات بالتعليم والتربية أن يظل مجانيا على مستوى التعليم الأساسي .ولن تتم مساهمة الفئات ذات الدخل المرتفع بالنسبة للتعليم الثانوي إلا بعد خمس سنوات من الوقوف على نجاح هذه التجربة مع الإعفاء التام للأسر ذات الدخل المحدود.أما بالنسبة للتعليم العالي فلن تفرض رسوم التسجيل إلا بعد ثلاث سنوات من تطبيق المشروع مع إعطاء منح الاستحقاق للطلبة المتفوقين المحتاجين.
إن الضرورة لتقتضي كذلك أن ننظر إلى أساليب التدبير من أجل ترشيد النفقات المرصودة للتعليم. وإن الواجب يحتم علينا الصرامة في التعامل مع الأموال العامة صونا لها من كل التلاعبات.
إننا نستطيع تحقيق هذه الأهداف إذا ما تم ترشيد استغلال الموارد المادية وعقلنة تدبيرها وإذا ما وقع تحسين الاستفادة من الكفاءات والخبرات، وإذا ما ساهمت في الإنجاز كل الأطراف المعنية من جماعات محلية وقطاع خاص ومؤسسات إنتاجية وجمعيات ومنظمات وسائر الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، دون إغفال دور الآباء والأمهات ومسؤولية الأسر في المشاركة بالمراقبة والتتبع والحرص على المستوى المطلوب.
كما ننبه على ضرورة الاعتناء بالتربية غير النظامية وما يتطلب التغلب على الأمية من تعبئة وطنية للحد من تفشيها ومحو آثارها لا سيما في القرى والبوادي بهدف الحد منها لكونها عائقا يعرقل مسيرة التنمية.
واعتبارا للتوجه الإيجابي الذي سار عليه مشروع الميثاق واستجابته الملموسة لمستلزمات الإصلاح الذي نتطلع جميعا إليه ورغبة منا في بلورة خلاصاته ونتائجه داخل إطار مسطري يراعي المقتضيات الدستورية والإجراءات التشريعية ، فقد قررنا إحالته على البرلمان لوضع مشاريع القوانين التي توفر له إمكانات التنفيذ، على أن يتم هذا التنفيذ ابتداءا من السنة المقبلة إن شاء الله بإيقاع تدريجي. وستظل اللجنة قائمة لمتابعة عملية التطبيق وتقييم النتائج وإغناء الميثاق ليواكب التطورات والمستجدات.
أما المسألة الثانية، حضرات السيدات والسادة التي نوليها أهمية كبرى فهي قضايا التشغيل والبطالة. وإننا لنتألم لهاته الوضعية التي مست شبابنا سواء من المتعلمين أو غير المتعلمين. ويلزمنا والحالة هذه، التفكير مع كافة المعنيين في سبيل معالجة هذا المشكل وفق مقاربات جديدة . كما يلزم اتخاذ إجراءات ملموسة لمطابقة شعب الدراسة مع واقع الشغل والسعي لربط المؤسسات التعليمية والبرامج مع المحيط الاقتصادي.
إن باب التشغيل لا ينبغي أن يبقى حرصا على الوظيفة العمومية، وإن على شبابنا أن يقتحم القطاع الخاص دون أن يستشعر أية عقدة من نظامنا التعليمي الذي نتشرف بكوننا من خريجيه.
إن التطورات المتسارعة تفرض إعادة تأهيل الأطر والعمال المزاولين فبالأحرى المرشحين للعمل ليتسنى لهم مواكبة المستجدات، ونهيب بشبابنا أن يستعيدوا الثقة في أنفسهم وأن يظهروا روح المبادرة والابتكار.
حضرات السيدات و السادة ،
إذا كنا قد عالجنا المسألة التعليمية بما سيجعل أجيال شبابنا بإذن الله قادرة على مسايرة مستجدات الثورة التكنولوجية المتواصلة والتكيف معها والمساهمة فيها فإننا فيما يتصل بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها، إذا تمت معالجتها أن تساعد في امتصاص البطالة وخلق فرص الشغل، نلح على ضرورة ترشيد السياسة المالية وحسن تدبير الإنفاق مع الحث على دفع الضرائب وتسديد المستحقات الإلزامية.
لقد شهدت مملكتنا إصلاحات عادت على الوضع الاقتصادي بنتائج ملموسة، إلا أننا متطلعون إلى توسيع آفاق النمو بإنعاش المقاولات الصغيرة والمتوسطة وتنشيط الاستثمار العمومي والخصوصي والوطني والأجنبي مع حفز القطاع الخاص على أخذ المبادرة لأننا نعتبر هذا التنشيط وذاك الإنعاش مقوما ضابطا لإيقاع اقتصادي واجتماعي يمكن من فتح باب لتشغيل وإيجاد مناصب عمل لجميع المستويات التكوينية والتأهيلية ويمكن بالتالي من مواصلة التطور والتقدم.
غير أننا نلاحظ مع الأسف الشديد كثيرا من العوائق سواء على مستوى القوانين أو المساطر الإدارية أو السلوكات أو الخلل في التنسيق بين الإدارات.
ولن يتحقق ذلك ما لم نتجاوز بعض السلبيات التي تعوق ازدهار الاستثمار والتي تقتضي إزالتها تسريع السير العادي ومحاربة بطئه ورتابته وتخفيف مساطره والتنسيق بين مراكز القرار وإعادة الثقة في جودة النصوص القانونية وسلامة تطبيقها.
فكيف نستطيع أن نتغلب على العوائق ونركب روح العصر إذا ظلت إدارتنا على ما هي عليه من جمود وإذا ظلت التوجيهات الكبرى حبرا على ورق.
وكيف نستطيع مواكبة التطورات إذا لم يحصل تقدم على مستوى التنفيذ. لقد سبق لوالدنا طيب الله ثراه أن بعث رسالة إلى وزيره الأول آنذاك بتاريخ21 يونيو 1989 دعا فيها إلى تبسيط الإجراءات الإدارية للمستثمرين بحيث تكون الإدارة ملزمة بالنظر في ملفاتهم في أجل شهرين، وإذا لم يتم قبول الملف فإن عليها أن تعلل رفضها قبل انقضاء الأجل المحدد. وفي حالة عدم بتها فيه فإن الملف يعتبر مقبولا. إن من الواضح أ ن اقتصادنا يتضرر من تصرفات تسير عكس الاتجاه الذي نريده.
إننا في نطاق الإصلاحات الجذرية التي نحن عازمون بها على مواجهة ظاهرة البطالة قررنا إنشاء صندوق الحسن الثاني للتنمية والتجهيز بقصد استثمار عائدات الخط الثاني للهاتف المحمول لإنجاز بعض المشاريع التي ستوفر بها مناصب شغل عديدة ومتنوعة والتي لها أولوية وأسبقية كالنهوض بالعالم القروي وإيجاد السكن اللائق ومحاربة مدن الصفيح واستكمال سقي مليون هكتار وبناء الطرق السيارة وتشييد مواقع سياحية ومراكز ثقافية ومؤسسات رياضية.
وكان والدنا تغمده الله بواسع رحمته قد بشر في آخر خطاب له يوم ثامن يوليوز الماضي أن هذه الاستثمارات ستكون دافعا استثنائيا منشطا للحركة المالية والتكنولوجية مما سيتيح للمغرب قفزة تنموية نوعية.
ونظرا للأهمية التي نوليها لهذه المشاريع، قررنا تكوين لجنة خاصة تكون تحت مسئوليتنا تضم ممثلين عن حكومتنا وعن الإدارات العمومية وشخصيات مؤهلة من القطاع الخاص. 
,حضرات السيدات والسادة 
هذه بعض التصورات نعرضها عليكم إطارا للعمل ننتظر منكم أن تبلوروها إلى قوانين وإجراءات ملموسة.
وفقكم الله وسدد خطاكم وأعانكم على تحمل المسؤولية المنوطة بكم
(ربنا أتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا)
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2000-2001

> الجمعة 13 أكتوبر 2000

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه


حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان
يطيب لنا أن نفتتح الدورة الخريفية للبرلمان من منطلق تشبعنا بالديموقراطية في مؤسستها التمثيلية 
تلكم الديموقراطية التي إن مورست من قبل ديموقراطيين كانت رافعة قوية للتنمية الشاملة وإن شابتها ممارسات انتخابية غير سليمة تحولت إلى عبء على الأمة.
فهل من قدرنا أن تكون الممارسة الديموقراطية السليمة نوعا من الحلم الضائع أو السراب الخادع.
بلى إن الدولة عازمة كل العزم بإصرار وفعالية لإعطاء الممارسة الديموقراطية مدلولها الحقيقي السليم المتسم بحرية الاختيار وتطهير قدسيتها من كل الممارسات المشينة.
وحرصا من جلالتنا على ترسيخ الصرح الديموقراطي وجعله أساسا متينا لما نتوخاه من إقلاع اقتصادي وتآزر اجتماعي، فإنه يسعدنا، كما وعدنا بذلك شعبنا العزيز في خطاب العرش، أن نتناول هذا الصرح بالتحصين منطلقين من قاعدته الأساسية المتمثلة في الجماعات المحلية.
ولكي تنهض هذه الجماعات بدورها كفاعل اقتصادي واجتماعي أساسي ، فقد آن الأوان لاستبدال تدبيرها الإداري البيروقراطي بتدبير ديموقراطي مسؤول محفز للاستثمار.
وفي هذا الصدد فإننا ندعو الحكومة والبرلمان إلى الانكباب بروح المسؤولية والحوار المثمر على وضع وإقرار النصوص الكفيلة بتمكين المجالس المحلية من القيام بما ننتظره منها من دور الشريك الفاعل في عملية التنمية.
وهكذا فإن إصلاح ميثاق الجماعات المحلية،الجماعية والإقليمية والجهوية ينبغي أن تحكمه المقاصد الأربعة التالية:
ـ أولا: تحسين نظام ووضعية المنتخب وإيجاد أحسن نسق للتدبير المحلي، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، من خلال تحديد تحمل المهام التنفيذية في المرشحين المتوفرين على حد أدنى من المؤهلات والتكوين ومنع تعدد الانتدابات المحلية.
ـ ثانيا: تعزيز آليات حماية المصالح العمومية عن طريق الفصل الواضح بين الوظيفتين التداولية والتنفيذية ومنع المنتخب من إقامة علاقات مصلحية وخاصة مع الجماعة التي هو عضو فيها، وتقوية المراقبة الخارجية بواسطة الافتحاص والمجالس الجهوية للحسابات.
ـ ثالثا : توسيع مجال التدبيرالمحلي من خلال توسيع اختصاصات المجالس المحلية وصلاحيات رئيسها وتحويل الاختصاصات والاعتمادات ضمن منظور متقدم للامركزية واللاتمركز وعبر التخفيف من الوصاية بترجيح المراقبة البعدية على المصادقة القبلية والمراقبة القريبة على الوصاية المركزية والتقليص من آجال المصادقة على مقررات المجالس المحلية والإقرار بحق الاستشارة المسبقة والتوقيع بالعطف على قرارات ممثلي الدولة وصلاحية الطعن في القرارات غير المطابقة لمداولات المجلس.
ـ رابعا: إحداث نظام جديد لإدارة المدن يكرس مبدأ وحدة المدينة المسيرة من قبل مجلس المدينة الذي يمارس كافة المسؤوليات البلدية وإلى جانبه مجالس للمقاطعات بمثابة وحدات فرعية غير متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي مكلفة بتدبير الشؤون التي تتطلب القرب من المواطنين.
ومن شأن هذا النظام أن يضمن للمدينة وحدة تدبيرها وتهيئة مجالها وتنميتها مع تمتيع المواطنين والمستثمرين بإدارة قريبة لتلبية ما يحتاجونه من خدمات أساسية.
وحتى تنهض المجالس الجهوية بالدور الذي ننتظره منها كفاعل أساسي في التنمية الاقتصادية والتكافل الاجتماعي والتدبير المجالي، فقد أصدرنا تعليماتنا لحكومتنا قصد الإسراع بإصدار كل النصوص التنظيمية الخاصة بها وتفعيل صندوق التضامن للتنمية الجهوية.
ومن أجل تفعيل دور الجهة في الإقلاع الاقتصادي ، فإنه من اللازم أن يتوفر كل مجلس جهوي على منظور استراتيجي شمولي ومتناسق لتنمية الجهة وعلى بنك لمشاريع الاستثمار الممكن إنجازها في دائرة ترابه أو بالتشارك مع جهات أخرى. وهذا مع اعتماد آليات لتقويم وتكييف وتحيين وإعادة توجيه عملية التنمية الجهوية أخذا بعين الاعتبار ما يعرفه المحيط الاقتصادي والتكنولوجي من تحولات ومستجدات متسارعة.
وفي نفس السياق الرامي إلى حفز الاستثمار وتسهيله ، فإن الشباك الوحيد الفعال المخاطب للمستثمر ليس بالضرورة هو الشباك الوطني الأوحد، بل هو الشباك الموحد على صعيد كل جهة وإقليم نظرا لتعامله المباشر مع عمليات الاستثمار.
ولهذه الغاية، يتعين احداث شباك وحيد للاستثمار جهويا لدى كل وال واقليميا لدى كل عامل مع تحديد أجل معقول وسريع للبث في ملفات مشاريع الاستثمار.
وإننا لعازمون على مواكبة إصلاح مدونة الجماعات المحلية بإصلاحات متقدمة تهم القانون الانتخابي والتقطيع الانتخابي والجماعي والمالية المحلية ونظامي الموظفين والأملاك الجماعية، غايتنا المثلى في ذلك خلق فضاءات منسجمة للتنمية وجبايات محلية محفزة على الاستثمار تتسم بالشفافية والعقلنة والتقليص من العدد المرتفع للضرائب والرسوم المحلية إلى أدنى عدد ممكن في إطار التناسق التام بين الجبايات المحلية والوطنية لجعلها جميعها من الأدوات الأساسية لتشجيع الاستثمار المنتج وتوفير الموارد الضرورية لتمويل التنمية المحلية والعمليات ذات النفع العام .
وستتم مراجعة النظام الانتخابي في اتجاه ترسيخ الديموقراطية وحرية الاختيار وذلك بتحسين الآليات الانتخابية قصد ضمان الشفافية والتعبير الانتخابي الحر وتخليق المسلسل الانتخابي وجعله ذا مصداقية كفيلة بضمان تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام من طرف نخبة متشبعة بفضائل خدمة الدولة والمرفق العام والاستقامة والنزاهة.
حضرات السيدات و السادة أعضاء البرلمان 
إن الحمولة السياسية القوية لمشروعي إصلاح مدونة الجماعات المحلية وقانونها الانتخابي وكذا مشاريع إصلاح قوانين الحريات العامة والاستحقاقات السياسية والانتخابية والحزبية التي تلوح في الأفق القريب والمدى المتوسط يجب ألا تطغى عليها الحسابات السياسوية لدرجة حجب ما يواجهنا من تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة . إن على طبقتنا السياسية بجميع مشاربها أن تعتبر هذه الاستحقاقات لحظات قوية للتعبئة والانخراط في الجهاد الاقتصادي والاجتماعي.
وعندما ندعو لنبذ السياسية السياسوية التي تقحم من الآن البلاد والعباد في حملة انتخابية سابقة لأوانها ، فإننا نشدد على إعادة الاعتبار للعمل السياسي بالمعنى النبيل للسياسة الذي يستحضر مشروعية الطموحات الشخصية والإنسانية في العمل السياسي ولكنه يجعل غاية هذا العمل افراز رجال دولة يتميزون بالدفاع عن مشروع مجتمعي والتفاني في خدمته لا ابتغاء مصلحة شخصية أو فئوية.
إن إنجاز التنمية والديموقراطية والتحديث يتطلب تحسين وتقوية هياكل الوساطة والتأطير السياسي المتمثلة في الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والجمعيات ووسائل الإعلام وتوسيع المشاركة على كل المستويات المحلية والجهوية والوطنية.
وإن المنظمات والهيئات المبنية على الديموقراطية الداخلية واحترام حق الاختلاف والكفائة والحداثة والعقلانية والفعالية والتي يتم تدبيرها كمقاولات سياسية قادرة على إنتاج نخب كفاة ومتشبعة بقيم الفعالية الاقتصادية والتآزر الاجتماعي وتخليق الحياة العامة وإشاعة التربية السياسية الصالحة وابتكار الحلول وطرح المشاريع المجتمعية، من شأنها إعطاء انطلاقة جديدة للديموقراطية المغربية، تحرر الطاقات وتزرع الأمل وتفتح الأفاق. وبنفس الروح الوطنية الصادقة، ندعو النقابة إلى النهوض بمهمة القوة الاقتراحية والتشاركية والتأطيرية والتعبوية للطبقة العاملة لربح رهان الإقلاع الاقتصادي.
كما أننا عازمون، في ما يخص الغرف المهنية، على ترسيخ منظور جديد يجعل منها رافعة حقيقية للاستثمار المنتج وينبذ التعامل معها كمطية انتخابية أو مصلحية ويمدها بنفس جديد يصحح اختلالات واقعها الحالي الذي لا يمكن الاستمرار فيه أو إعادة إنتاجه.
إن نهوض مختلف هذه الهيئات وهؤلاء الفاعلين بالمهام المنوطة بهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لمن شأنه أن يعزز ما تقوم به حكومة جلالتنا في جميع المجالات من جهود مخلصة ودؤوبة ومبادرات حميدة من أجل تحقيق الآمال العريضة لشعبنا الأبي في التقدم والازدهار.
حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان
إن إرادتنا الراسخة هي قيادة شعبنا نحو ديموقراطية تشرك كل الطاقات وتحفزها على خوض معركة الجهاد الاقتصادي والاجتماعي.
وإنه لمجهود ضخم ينتظرنا جميعا وعلينا الإسهام فيه بالفعالية والحماس الذي نوصي المؤسسات التشريعية والتنفيذية أن تتحلى بها مثلما نود أن يتجلى بها سائر الفاعلين في الحقل الوطني.
كما نود أن تصبح قيم المسؤولية والجدية اخلاقا مشتركة بين الجميع سواء لدى الهيئات السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني أو لدى سائر القوى المنتجة في الحقلين الاقتصادي والاجتماعي.
فالرهانات التي تنتظر المغرب رهانات حيوية تستدعي استثمار كل الموارد الوطنية لربحها فعلى الكل أن يعلم أن المستقبل يبني من الآن وأن الغد سيكون ثمرة لما ننجزه اليوم، وأن المرور إلى مغرب الغد لا يمكن أن يتم دون القطيعة مع العقليات المتحجرة وترسيخ ثقافة وأخلاق العمل والاعتماد على النفس والاجتهاد والاستقامة وخدمة الصالح العام لأن منطق التطور يفرض بالضرورة منظومة اجتماعية وسياسية قائمة على ممارسة سلوكية جديدة. 
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،،


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2001-2002

> الجمعة 12 أكتوبر 2001

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه


حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان المحترمين : 

يغمرنا شعور مزيج من الاعتزاز العميق والتساؤل الملح والعزم الواثق ونحن نفتتح السنة البرلمانية الخامسة التي تتزامن مع انتهاء انتداب مجلس النواب في مثل هذا الموعد من السنة القادمة.

أما مبعث الاعتزاز فلأن هذه الولاية التشريعية شكلت نقلة نوعية في تعزيز الصرح الديموقراطي لما حققه والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه من إجماع وطني حول الدستور وما أبدعه وقاده من تناوب توافقي على تحمل المسؤولية الحكومية حرصنا منذ اعتلائنا العرش على ترسيخه بمساهمة فاعلة لكل القوى الحية للبلاد أغلبية كانت أو معارضة. 

وأما التساؤل الملح فعن مدى قيامكم على الوجه الأمثل بمسئوليتكم اعتبارا لما نتحمله من أمانة عظمى وبصفتنا الممثل الأسمى للأمة في ضمان السير الأمثل للمؤسسات وضرورة استشعاركم أفرادا وفرقا نيابية لمدى أدائكم للمسؤولية الملقاة على عاتقكم على الوجه الأكمل داعين لاستخلاص العبر مما شاب هذه الولاية التشريعية من أوجه القصور لا للتنقيص من المكانة المركزية للبرلمان في نظامنا الملكي الدستوري، بل للعمل على تحصين مؤسساتنا الديموقراطية من كل الشوائب والإختلالات.

ولبلوغ هذا الهدف الأسمى فإن عزمنا واثق على أن نجعل من نزاهة الانتخابات المدخل الأساسي لمصداقية المؤسسات التشريعية، حريصين على أن تتحمل السلطات العمومية والأحزاب السياسية مسؤولياتها كاملة في توفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لنزاهة الاقتراع وتخليق المسلسل الانتخابي. 

ومن هذا المنطلق وترسيخا لمستوى النضج المتقدم الذي بلغه الصرح الديموقراطي الوطني الذي يجعل من الانتخابات، على أهميتها السياسية لحظة عادية ومنتظمة في حياة الأمة، وتوضيحا للرؤية أمام الفاعلين السياسيين أغلبية ومعارضة، موفرين لهم تكافؤ الفرص في مجال المعرفة المسبقة لموعد الانتخابات فإننا نعلن اليوم أن الانتخابات النيابية ستجرى خلال شهر شتنبر القادم إن شاء الله.

واعتبارا للدور الأساسي لمشروع مدونة الانتخابات في البلورة العملية لإرادتنا الراسخة في إجراء انتخابات نزيهة معبرة بكل حرية وصدق عن اتجاهات الرأي العام فإننا ندعو كل الفاعلين السياسيين إلى التمسك بفضائل التوافق الوطني وتغليب المصلحة العامة والحوار المثمر من أجل تعزيز الضمانات القانونية لمصداقية الانتخابات. 

كما أن التفعيل المتواصل لمفهومنا الجديد للسلطة وإصلاح القضاء قد جعلا كل الفاعلين السياسيين على اختلاف مشاربهم يتطلعون بثقة وطمأنينة لسهر الأجهزة الإدارية والقضائية على سلامة الاستحقاقات المقبلة.

ومهما تكن أهمية التدابير المتخذة وحرص أجهزة الدولة فإن ضمان نزاهة الاقتراع يظل رهينا بمدة فعالية الأحزاب السياسية باعتبارها الرافد الأساسي للعملية الانتخابية. لذلك ننتظر منها التعبئة من أجل المشاركة المكثفة الواعية والنوعية الجيدة للمرشحين والمنافسة الشريفة.

وإن الروح الوطنية تملي علينا العمل من أجل أن يكون هنالك فائز واحد هو الديموقراطية المغربية التي تجد كل المشارب السياسية الوطنية موقعها الحقيقي فيها ضمن مشهد سياسي سليم.

وتعزيزا لدور الأحزاب في هذا المجال فإننا ندعوكم لإيلاء اهتمام خاص لمشروع القانون الجديد المنظم لها، آملين أن يمكن كل النخب الوطنية من ممارسة العمل السياسي بمعناه النبيل من خلال وسيلته المثلى المتجسدة في الأحزاب السياسية.

وإيمانا منا بأن الديموقراطية تظل صورية ما لم تعتمد التنمية الاقتصادية والاجتماعية سندا لها فقد أولينا العناية الكاملة لتحفيز الاستثمار لأن كل خطوة نخطوها في هذا المجال من شأنها أن توطد ديموقراطيتنا وتعيد الأمل للمحرومين وخاصة الشباب منهم وترسخ ثقتهم في حاضر ومستقبل وطنهم .

ومهما تكن وجاهة أي سياسة تنموية محفزة على الاستثمار فإنها تظل رهينة بنجاعة الأجهزة الإدارية والقضائية القادرة على النهوض بها.

وإدراكا منا بأن فعالية الأجهزة الإدارية مرتبطة بالعنصر البشري المؤهل لإصلاح الإدارة من الداخل وجعل سيرها مطبوعا بروح التدبير الفعال وخدمة المواطن والتنمية، فإننا عازمون على متابعة تأهيل الموارد البشرية في جميع مرافق الإدارة والقطاع العامين وامدادهما بكفاءات جديدة كما فعلنا عند تعييننا لمجموعة من الولاة ومسؤولي المقاولات والمؤسسات العمومية حتى نجعل من الإدارة والقطاع العام الفاعل الاقتصادي الأول المحفز للاستثمار والمندمج في حركة التنمية الشاملة.

كما أننا مصممون بنفس العزم على السهر على مواصلة إصلاح القضاء الذي يتعين عليه أن يطور موارده البشرية وأجهزته ومساطره ليستجيب لمتطلبات العدل والتنمية عن طريق ترسيخ سيادة القانون والشفافية والنزاهة والإنصاف والسرعة في الإنجاز على مستوى إصدار الأحكام وتنفيذها، مشيعا بذلك روح الثقة المحفزة على الاستثمار.

وقد حرصنا على بلورة سياسة مجددة هادفة إلى إزاحة كل العراقيل والمساطر والأجهزة المعيقة للاستثمار وتوفير الوسائل الكفيلة بالنهوض به من خلال قرارات هامة ستشكل تحولا نوعيا في مسار التدبير اللامتمركز للمشاريع الاستثمارية من خلال إحداث مراكز جهوية للاستثمار محددين ذلك في رسالة ملكية سامية مختومة بالطابع الشريف سنوجهها قريبا لوزيرنا الأول.

حضرات السيدات والسادة 

إن هذه الدورة البرلمانية تنعقد في ظروف دولية دقيقة.

ومن موقع التزامه الثابت بالشرعية الدولية وبمكافحة الإرهاب بكل أشكاله وكذا بحكم انتمائه للأمة العربية والإسلامية ومناصرته لقضاياها العادلة وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني الشقيق، فإن المغرب عندما يعبر عن تضامنه المطلق مع الموقف الدولي المجمع على مناهضة الإرهاب وتجفيف منابعه بكل الوسائل المشروعة، ليؤكد أن القضاء على الإرهاب واستئصاله من جذوره ينبغي أن يندرج ضمن منظور شمولي يستهدف المزيد من استتباب السلم وتحقيق العدل والإنصاف في النظام الدولي بكيفية تضع حدا لكل مآسي الفقر والظلم والقهر والإقصاء وبؤر التوتر في كل مناطق العالم على حد سواء وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط حيث يتعرض الشعب الفلسطيني الأعزل لشتى أنواع التقتيل والاضطهاد في كفاحه المشروع من أجل إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إن هذه الظروف الدولية العصيبة المنفتحة على شتى الاحتمالات تملي علينا جميعا التحلي بالمزيد من الالتحام الوطني ورص الصفوف وتغليب المصالح العليا للبلاد وإيثارها على ما عداها من المطالب الفئوية والحسابات الضيقة مهما كانت مبرراتها والتشبث بقيم الحكمة والاتزان والاعتدال التي مكنت المغرب ولله الحمد من اجتياز كل الصعاب جاعلا منها خير محفز على مضاعفة الجهود للدفاع عن وحدته الترابية ولمواصلة مسيرته التنموية معبئا لذلك كل طاقاته بعزم وتفاؤل وثبات وطمأنينة وتماسك معززا بذلك دوره الفاعل في محيطه الجهوي والدولي.

إن معركة المغرب الأساسية ليست بين مجتمع مدني وآخر سياسي، ولا بين أفراد وأحزاب، وكيفما كانت نتائج الاقتراع بالنسبة لأعضاء مجلس النواب فإن الذين سيعاد انتخابهم مطالبون بإثراء العمل النيابي بتجربتهم للرفع من مستوى الأداء البرلماني. وأما الذين لن يحالفهم الحظ للفوز بانتداب نيابي جديد فإننا ندعوهم لاستثمار ما اكتسبوه من خبرة في تدبير الشأن العام من أجل مواصلة خدمة وطنهم التي لا يعد البرلمان إلا إحدى مجالاتها.

وإن واجب المواطنة يدعونا للتخلي عن الأنانيات للانصهار في ضمير جماعي وطني واحد من أجل بناء مغرب قوي وديموقراطي يسير بخطى ثابتة على طريق التقدم " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون". صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

والسـلام عليكـــم ورحمـــة الله


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2002-2003

> الجمعة 11 أكتوبر 2002

لحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه. 



حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين ، 

إن مشاعر الاعتزاز الكبير بالنقلة الديمقراطية النوعية، التي حققناها بانتخاب مجلس النواب الجديد ، الذي نتولى تنصيبه اليوم ، لا يعادلها إلا عرفاننا العميق ووفاؤنا الصادق ، للروح الطاهرة لرائد المسيرة الديمقراطية ، والدنا المنعم ، جلالة الملك الحسن الثاني ، قدس الله روحه ، وستظل الأجيال الحاضرة والمقبلة مدينة لعبقريته وثاقب نظره ، في اختيار النظام الديمقراطي ، الذي عملنا ، منذ اعتلائنا العرش ، على ترسيخه ، باستكمال بناء دولة الحق ، القوية بمؤسساتها ذات المصداقية . 

وإذ نهنىء النواب على انتخابهم ، أو تجديد الثقة فيهم ، فإننا نخص بالتهنئة السيدات النائبات ، واثقين من ان ما عرفت به المرأة المغربية من جدية وواقعية ونزاهة ، سينعكس ايجابا على اشغال المجلس ، متطلعين الى المزيد من إنصافها ، وتحقيق المساواة العادلة لها ، في كل مجالات الحياة الوطنية . (تصفيقات) . 

كما نود ان نوجه تحية خاصة لرعايانا الأوفياء ، ولممثليهم البرلمانيين المنحدرين من الأقاليم الجنوبية، لما ترمز اليه مشاركتهم المكثفة ، التي بلغت النسبة العليا لأربعة وستين في المائة ، متجاوزة المعدل الوطني ، ولما يعبر عنه انتخابهم من اقتناع بالنهج الديمقراطي، الذي اخترناه كأفضل وسيلة لتدبير شؤونهم الجهوية، ومن تشبث بالوطن، في ظل الوحدة والحرية والكرامة (تصفيقات..) 

ونأبى إلا ان نشيد بكل المواطنين والهيئات والسلطات ، الذين ساهموا في هذا الإنجاز ، بكل مسؤولية والتزام ، وفي مقدمتهم أطر وزارتي الداخلية والعدل والقضاة. 

وبقدر احتفائنا بهذه الخطوة الديمقراطية، التي أحطناها بكل الضمانات القانونية والسياسية، فإننا نتساءل: هل كان الهدف المنشود هو مجرد التوفر على مجلس للنواب ،يعكس التمثيلية الحقيقية لكل الهيئات السياسية؟ كلا ، ان الديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها ، وانما هي أداة لتفعيل المشاركة الشعبية في تدبير الشأن العام ، والتعبئة من اجل التنمية . 

ولن تكتمل الديمقراطية التي نتوخاها إلا بإزاحة عوائقها الهيكلية، المتمثلة في القضاء على الأمية والفقر، وتقوية دور الأحزاب السياسية، من خلال اقرار قانون خاص بشأنها، وتخليق الحياة العامة، وهذا ما يجعل الرهان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، رهانا أصعب من تحدي بناء الصرح المؤسسي ، الذي حققنا فيه مكاسب هامة ، والذي سنتعهده بالمزيد من التوطيد والتجديد والعقلنة .. 

إن ما نتوخاه من إعادة الاعتبار للمؤسسة البرلمانية ، يتطلب منكم عملا دؤوبا ، ليس داخل القبة البرلمانية ، من اجل أداء مهامكم الدستورية فحسب، بل الالتزام ايضا بالقرب من مغرب الأعماق ، والإصغاء لمواطنيكم ، من أجل التعبير عن انشغالات الأمة ، وجعلهم في الصورة الواقعية لما يمكن الاستجابة له، وذلكم هو طريقكم نحو أداء مهمة صلة الوصل بين الشعب والجهاز التنفيذي ، بشكل لا يحصر عمل الأغلبية البرلمانية في مساندة الحكومة داخل الاطار الضيق للبرلمان والوزارات ، وانما يمتد الى اعماق مكونات المجتمع ، كما ان سبيل المعارضة البناءة هو النهوض بدور القوة الاقتراحية، والتعبير بواقعية وعقلانية عن التطلعات الاجتماعية ، ضمن ممارسة برلمانية خلاقة ، بعيدة عن المزايدات الفارغة والمجادلات العقيمة التي لن تشغل عاطلا ، او تعلم أميا ، او تنصف مظلوما ، او تصون كرامة محروم (تصفيقات..). 

لذلكم ، فأنتم مطالبون بالعمل الجدي ، وباستخلاص العبرة من الحملة الانتخابية ، التي جعلتكم تقفون على انتظارات المواطنين ، الذين يتطلعون لحلول ملموسة لمشاكلهم الواقعية الأساسية ، التي ينبض بها قلب كل مواطن ، بدل جعل كل شيء ذا أسبقية ، إنها الأسبقيات الأربع المتمثلة في: 

- التشغيل المنتج ، 

- والتنمية الاقتصادية، 

- والتعليم النافع ، 

- والسكن اللائق ، 

وتلكم هي الانشغالات الوطنية الحقيقية ، التي ينبغي تركيز الجهود عليها، باعتبارها أسبقيات ملحة. 

ويعد التشغيل الهاجس الأول للأسرة المغربية، ومفتاح المعضلات الاجتماعية ، لا سيما منها الفقر والتهميش ، اللذان لا يمكن القضاء عليهما إلا بتفعيل التضامن الاجتماعي القائم على الشراكة بين السلطات العمومية، والجماعات المحلية، والقطاع الخاص ، والنسيج الجمعوي، ولن نتمكن من تشغيل الفئات الواسعة من شبابنا إلا بتحقيق التنمية الاقتصادية ، التي تظل رهينة بحفز الاستثمار، ثم الاستثمار ، ثم الاستثمار، الذي سأظل اعمل من أجل إزاحة عوائقه، حتى يصير المغرب إن شاء الله ورشا كبيرا للإنتاج وخلق الثروات (تصفيقات..) وذلك ما يتطلب الالتزام بحسن تدبير الشأن العام ، والإسراع بالإصلاحات العميقة، الإدارية والقضائية، والجبائية، والمالية ، وتأهيل المقاولات ، والتركيز على القطاعات التي لنا فيها مؤهلات ، وتنافسية وانتاجية، والنهوض بالتنمية القروية، مؤكدين وجوب اقرار القانون التنظيمي للإضراب ، ومدونة عصرية للشغل ، يعرف فيها كل من المستثمر والعامل حقوقهما والتزاماتهما مسبقا، وذلك في نطاق ميثاق اجتماعي تضامني شامل. 

ولن نحقق اقلاعا اقتصاديا، أو نوفر شغلا منتجا ، إلا بالتفعيل الأمثل لإصلاح نظام التربية والتكوين، الذي بالرغم من الخطوات التي قطعناها في شأنه ، فإنه ينتظرنا إنجاز أصعب مراحله، المتمثلة في الاصلاح النوعي للتكوين، واستئصال الأمية، مع الإقدام بشجاعة على إيجاد موارد مالية جديدة ، والنهوض بمختلف مكونات الثقافة الوطنية، ولاسيما بدعم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، في محافظة على هوية المغرب الاسلامية، وتشبث بوحدته المذهبية، وانفتاح شامل على الحداثة ، وبناء مجتمع المعرفة والاتصال . 

كما أننا لن نتمكن من صيانة كرامة المواطن ، إلا بتوفير السكن اللائق، والتعجيل بتنفيذ البرنامج الوطني لمحاربة البناء العشوائي، والقضاء على أحياء الصفيح ، التي تشكل تهديدا لتماسك وتوازن نسيجنا الاجتماعي ، ومصدرا لظواهر الإحباط والإقصاء، والانحراف والتطرف . 

وبالرغم من ان انجاز هذه الأسبقيات ، يعد مهمة شاقة، فإنه لا خيار لنا إلا التعبئة الشاملة، من أجل رفع تحدياتها ، لترسيخ الثقة في مغرب الحاضر والمستقبل ، وإعادة الأمل الى نفوس المحرومين من فئات شعبنا الوفي . 

وفوق هذا وذاك ، فإن علينا أن نحسن استثمار الإشعاع الديمقراطي للمغرب ، المشهود به دوليا ، من أن أجل الطي النهائي للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية ، التي تظل قضيتنا المقدسة ، فضلا عن توطيد الأمن والاستقرار الذي ينعم به بلدنا ،في إطار النظام الديمقراطي ، الذي لا يستقيم أمره في نطاق الدولة القوية بسيادة القانون . 

فعلى الجميع ان يستشعر جسامة المسؤولية البرلمانية والحكومية، ويتحلى بفضيلة الحوارالبناء ، والاجماع حول الثوابت والمقدسات ، والتراضي حول الملفات الكبرى للأمة ، واعتماد قاعدة الأغلبية الديمقراطية للبت في ما عداهما من القضايا ، لأن الإفراط في التراضي يفرغه من محتواه ، ويسلبه غايته المثلى ، جاعلا منه ذريعة للتملص من اتخاذ القرار. 

ان التحدي المطروح على مغرب اليوم والغد ليس هو المفاضلة بين التيارات السياسية ،كيفماكانت مشاربها ، وانماهو الحسم بين الديمقراطية والالتزام ، وبين التسيب والسلبية ، بين الحداثة والانفتاح ، وبين التزمت والانغلاق، انه بكلمة واحدة، المعركة الحقيقية بين التقدم والتأخر، في عالم لايزيد إلا تحديا على تحديات ، وصراعا على صراعات، وسباقا ضد الساعة، يجعل ما هو ممكن اليوم مستحيلا غدا ، وتلكم هي الرهانات الحقيقية التي يتعين على المغرب كسبها. 

والله تعالى نسأل ان يلهمنا جمعيا السداد والتوفيق ويقوي عزائمنا ، ويجعل لنا من تأييده هديا ومعينا . 

وقل رب ادخلني مدخل صدق ، واخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا .

صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته (تصفيقات). 


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2003-2004

> الجمعة 10 أكتوبر 2003

" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه



حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،

إننا، بافتتاح هذه الدورة البرلمانية، نستكمل تجديد المؤسسات الدستورية، مجسدين إرادتنا الملكية الراسخة، في إعطاء المسار الديمقراطي طريقه القويم، كخيار لا رجعة فيه، مهما تكن دقة التحديات الوطنية والدولية.

وإذا كنا معتزين بإنجاز هذه النقلة النوعية، فهل معنى ذلك أننا بلغنا الكمال الذي نتوخاه ؟

لقد أكدنا مرارا،‏ألا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، وأن الديمقراطية طريق شاق وطويل، وليست ميدانا صوريا لحرب المواقع، بل هي مواطنة ملتزمة، وممارسة لا محيد عنها، لحسن تدبير الشأن العام، ولا سيما المحلي منه. ولا يمكن تحصينها إلا بترسيخ ثقافة المواطنة المنوط بالأحزاب السياسية، وهيئات المجتمع المدني، وبتحسين الأحوال المعيشية للمواطن ، حتى يلمسها في واقعه اليومي.

وكيفما كان تركيب المجالس المنتخبة، فإننا لن نكف عن طرح السوءال الجوهري .. هل يعد الانتخاب غاية في حد ذاته، ونهاية المطاف ? كلا، فإن احترام الإرادة الشعبية يقتضي نبذ عقلية ديمقراطية المقاعد، والالتزام بفضيلة ديمقراطية التنمية.

وفي أفق استخلاص كل العبر، من انتخاب المجالس التمثيلية واستيفاء شروط عقلنتها، فإننا نكتفي اليوم بوقفة خاصة عند تجديد انتخاب الجماعات المحلية، التي تجسد ديمقراطية القرب والمشاركة، والقاعدة الصلبة لمجلس المستشارين.

وإننا لننتظر من الجماعات المحلية، طي صفحة المنافسة الانتخابية العابرة، وفتح الأوراش الحيوية للعمل الجماعي، دون استسلام لصعوبة التحديات، بوضع مخططات للتنمية المحلية،لإنجاز أسبقيات السكن اللائق، والاستثمار المنشود، والتشغيل المنتج، والتعليم النافع، وتوفير العيش الكريم. وهذه هي محفزات المواطنين، الذين يجب إشراكهم الفعلي والمتواصل، في تحقيق المشاريع التنموية، المستجيبة لانشغالاتهم الحقيقية. وتلكم سبيلكم لإعادة الاعتبار للديمقراطية المحلية بما هي تواصل دائم مع المواطنين، وليست مجرد لحظة انتخابية موسمية.

ومع تهانئنا للمنتخبين الجدد، واعتزازنا بارتفاع نسبة الشباب الأكثر تأهيلا، فإن التمثيل الضعيف للنساء في الجماعات المحلية يجعلنا نتساءل .. إلى متى سنتستمر في اللجوء إلى التمييز الإيجابي القانوني، لضمان مشاركة واسعة للمرأة في الموءسسات ? لا ريب أن الأمر يتطلب نهضة شاملة، وتحولا عميقا في العقليات البالية والوعي الجماعي، وفتح المجال أمام المرأة، بما يناسب انخراطها في كل مجالات الحياة الوطنية، لما أبانت عنه من جدارة واستقامة وتفان، في خدمة الصالح العام.

وإن تكليفنا للسلطات العمومية، بدعم الجماعات المحلية، لا يعادله إلا تأكيدنا على وجوب التزام هذه السلطات باليقظة والحزم والمراقبة الدائمة، لنهوض المجالس المنتخبة على الوجه الأكمل، بصلاحياتها الواسعة، طبقا للقانون.

ومع تحذيرنا من الإخلال بالمسؤولية وسوء التدبير، ولو كان صادرا عن منتخب بأغلبية واسعة; فإننا نذكر على وجه الخصوص، بتوجيهاتنا الداعية إلى تجريم تشجيع انتشار السكن غير اللائق، دون تساهل في التطبيق الصارم والفعال للقانون، في حق جميع المتلاعبين.

وإننا لنعتبر أن الجماعة المحلية، لا يمكنها القيام بدورها كاملا، إلا بتضافر جهودها مع المدرسة والأسرة، باعتبار هذه المؤسسات الثلاث، محط عنايتنا الإصلاحية الراسخة، لبناء المجتمع الديمقراطي الحداثي.

لقد أكدنا بما فيه الكفاية، على ضرورة التفعيل الأمثل للميثاق الوطني للتربية والتكوين. وأكتفي اليوم بالتنبيه بقوة، إلى أن هذه السنة هي المنعطف الحاسم لإنجاز هذا الإصلاح الجوهري. ولن يتأتى ذلك إلا بالإقدام على اتخاذ القرارات الجريئة الضرورية، في هذا الشأن، بكل ما يتطلبه الأمر من الشجاعة والحزم والتطبيق الناجع والملموس على أرض الواقع.

أما بالنسبة للأسرة والنهوض بأوضاع المرأة، فإنني قد أبرزت إشكالها الجوهري، غداة تحملي الأمانة العظمى، لإمارة المؤمنين، متسائلا في خطاب عشرين غشت لسنة 9991 : "كيف يمكن الرقي بالمجتمع، والنساء اللواتي يشكلن نصفه، تهدر حقوقهن، ويتعرضن للحيف والعنف والتهميش في غير مراعاة لما خولهن ديننا الحنيف، من تكريم وإنصاف؟".

وفضلا عما اتخذناه من قرارات ومبادرات، ذات دلالة قوية، للنهوض بأوضاع المرأة وإنصافها; فإننا لم نتردد في تجنيب المجتمع، مغبة الفتنة حول هذه القضية، بتكوين لجنة استشارية متعددة المشارب والاختصاصات، لاقتراح مراجعة جوهرية، لمدونة الأحوال الشخصية; عاملين على تزويدها بتوجيهاتنا السامية باستمرار إلى أن رفعت إلى نظرنا السديد حصيلة أعمالها.

وبهذه المناسبة، نود أن ننوه بجهود رئيسها وأعضائها، معتبرين أن ما عرفته هذه اللجنة أحيانا، من تباين في بعض القضايا، إنما هو من قبيل كون اختلاف العلماء رحمة.

لقد توخينا، في توجيهاتنا السامية لهذه اللجنة ، وفي إبداء نظرنا في مشروع مدونة الأسرة، اعتماد الإصلاحات الجوهرية التالية..

أولا : تبني صياغة حديثة بدل المفاهيم التي تمس بكرامة وإنسانية المرأة. وجعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين. وذلك باعتبار " النساء شقائق للرجال في الأحكام"،مصداقا لقول جدي المصطفى عليه السلام ،وكما يروى: "لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم ".

ثانيا: جعل الولاية حقا للمرأة الرشيدة، تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها، اعتمادا على أحد تفاسير الآية الكريمة، القاضية بعدم إجبار المرأة على الزواج بغير من ارتضته بالمعروف.." ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف". وللمرأة بمحض إرادتها أن تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها.

ثالثا: مساواة المرأة بالرجل بالنسبة لسن الزواج، بتوحيده في ثمان عشرة سنة، عملا ببعض أحكام المذهب المالكي ، مع تخويل القاضي إمكانية تخفيضه في الحالات المبررة، وكذلك مساواة البنت والولد المحضونين في بلوغ سن الخامسة عشرة لاختيار الحاضن.

رابعا : فيما يخص التعدد، فقد راعينا في شأنه الالتزام بمقاصد الإسلام السمحة في الحرص على العدل ، الذي جعل الحق سبحانه يقيد إمكان التعدد بتوفيره ، في قوله تعالى " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، وحيث إنه تعالى نفى هذا العدل بقوله عز وجل "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "، كما تشبعنا بحكمة الإسلام المتميزة بالترخيص بزواج الرجل بامرأة ثانية ، بصفة شرعية لضرورات قاهرة وضوابط صارمة، وبإذن من القاضي، بدل اللجوء للتعدد الفعلي غير الشرعي ، في حالة منع التعدد بصفة قطعية.

ومن هذا المنطلق فإن التعدد لا يجوز إلا وفق الحالات والشروط الشرعية التالية:

لا يأذن القاضي بالتعدد إلا إذا تأكد من امكانية الزوج في توفير العدل على قدم المساواة مع الزوجة الأولى وأبنائها في جميع جوانب الحياة، وإذا ثبت لديه المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد.



للمرأة أن تشترط في العقد على زوجها عدم التزوج عليها باعتبار ذلك حقا لها ،عملا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " مقاطع الحقوق عند الشروط". وإذا لم يكن هنالك شرط، وجب استدعاء المرأة الأولى لأخذ موافقتها، وإخبار ورضى الزوجة الثانية بأن الزوج متزوج بغيرها. وهذا مع إعطاء الحق للمرأة المتزوج عليها، في طلب التطليق للضرر .

خامسا : تجسيد إرادتنا الملكية ، في العناية بأحوال رعايانا الأعزاء ، المقيمين بالخارج ، لرفع أشكال المعاناة عنهم، عند إبرام عقد زواجهم. وذلك بتبسيط مسطرته، من خلال الاكتفاء بتسجيل العقد بحضور شاهدين مسلمين ، بشكل مقبول لدى موطن الاقامة، وتوثيق الزواج بالمصالح القنصلية أو القضائية المغربية ، عملا بحديث أشرف المرسلين " يسروا ولا تعسروا".

سادسا: جعل الطلاق حلا لميثاق الزوجية يمارس من قبل الزوج والزوجة كل حسب شروطه الشرعية وبمراقبة القضاء. وذلك بتقييد الممارسة التعسفية للرجل في الطلاق، بضوابط تطبيقا لقوله عليه السلام.: " إن أبغض الحلال عند الله الطلاق " ، وبتعزيز آليات التوفيق والوساطة، بتدخل الأسرة والقاضي. وإذا كان الطلاق، بيد الزوج، فإنه يكون بيد الزوجة بالتمليك. وفي جميع الحالات، يراعى حق المرأة المطلقة في الحصول على كافة حقوقها قبل الإذن بالطلاق. وقد تم إقرار مسطرة جديدة للطلاق، تستوجب الإذن المسبق من طرف المحكمة، وعدم تسجيله إلا بعد دفع المبالغ المستحقة للزوجة والاطفال على الزوج. والتنصيص على أنه لا يقبل الطلاق الشفوي في الحالات غير العادية.

سابعا: توسيع حق المرأة في طلب التطليق، لإخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج، أو للإضرار بالزوجة مثل عدم الانفاق أو الهجر أو العنف، وغيرها من مظاهر الضرر، أخذا بالقاعدة الفقهية العامة: " لا ضرر ولا ضرار " ، وتعزيزا للمساواة والانصاف بين الزوجين. كما تم إقرار حق الطلاق الاتفاقي تحت مراقبة القاضي.

ثامنا: الحفاظ على حقوق الطفل بإدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب. وضمان مصلحة الطفل في الحضانة من خلال تخويلها للأم ثم للأب ثم لأم الأم. فإن تعذر ذلك، فان للقاضي ان يقرر إسناد الحضانة لأحد الاقارب الأكثر أهلية. كما تم جعل توفير سكن لائق للمحضون واجبا مستقلا عن بقية عناصر النفقة، والاسراع بالبت في القضايا المتعلقة بالنفقة في أجل أقصاه شهر واحد.

تاسعا: حماية حق الطفل في النسب، في حالة عدم توثيق عقد الزوجية لاسباب قاهرة، باعتماد المحكمة البينات المقدمة في شأن اثبات البنوة، مع فتح مدة زمنية من خمس سنوات لحل القضايا العالقة في هذا المجال، رفعا للمعاناة والحرمان عن الاطفال في مثل هذه الحالة.

عاشرا:تخويل الحفيدة والحفيد من جهة الام، على غرار أبناء الابن، حقهم في حصتهم من تركة جدهم، عملا بالاجتهاد والعدل في الوصية الواجبة .

حادي عشر:أما في ما يخص مسألة تدبير الاموال المكتسبة، من لدن الزوجين خلال فترة الزواج.. فمع الاحتفاظ بقاعدة استقلال الذمة المالية لكل منهما، تم اقرار مبدأ جواز الاتفاق بين الزوجين، في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج ، على وضع اطار لتدبير واستثمار أموالهما المكتسبة، خلال فترة الزواج، وفي حالة عدم الاتفاق يتم اللجوء إلى القواعد العامة للإثبات بتقدير القاضي لمساهمة كلا الزوجين في تنمية أموال الأسرة.

حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين

إن الإصلاحات التي ذكرنا أهمها، لا ينبغي أن ينظر إليها على أنها انتصار لفئة على أخرى، بل هي مكاسب للمغاربة أجمعين. وقد حرصنا على أن تستجيب للمبادىء والمرجعيات التالية ..

/ لا يمكنني بصفتي أميرا للموءمنين، أن أحل ما حرم الله وأحرم ما أحله.

/ الأخذ بمقاصد الاسلام السمحة ، في تكريم الانسان والعدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف ، وبوحدة المذهب المالكي والاجتهاد، الذي يجعل الاسلام صالحا لكل زمان ومكان، لوضع مدونة عصرية للاسرة، منسجمة مع روح ديننا الحنيف.

/ عدم اعتبار المدونة قانونا للمرأة وحدها، بل مدونة للأسرة، أبا وأما وأطفالا، والحرص على أن تجمع بين رفع الحيف عن النساء، وحماية حقوق الاطفال، وصيانة كرامة الرجل . فهل يرضى أحدكم بتشريد أسرته وزوجته وأبنائه في الشارع، أو بالتعسف على ابنته أو أخته ?

/ وبصفتنا ملكا لكل المغاربة، فإننا لا نشرع لفئة أو جهة معينة، وإنما نجسد الإرادة العامة للأمة، التي نعتبرها أسرتنا الكبرى.

وحرصا على حقوق رعايانا الأوفياء المعتنقين للديانة اليهودية، فقد أكدنا في مدونة الأسرة الجديدة، أن تطبق عليهم أحكام قانون الأحوال الشخصية المغربية العبرية.

وإذا كانت مدونة 7591 قد وضعت، قبل تأسيس البرلمان، وعدلت سنة 3991، خلال فترة دستورية انتقالية، بظهائر شريفة، فإن نظرنا السديد ارتأى أن يعرض مشروع مدونة الأسرة على البرلمان، لأول مرة، لما يتضمنه من التزامات مدنية، علما بأن مقتضياته الشرعية هي من اختصاص أمير الموءمنين.

وإننا لننتظر منكم أن تكونوا في مستوى هذه المسوءولية التاريخية، سواء باحترامكم لقدسية نصوص المشروع، المستمدة من مقاصد الشريعة السمحة، أو باعتمادكم لغيرها من النصوص ، التي لا ينبغي النظر إليها بعين الكمال أو التعصب، بل التعامل معها بواقعية وتبصر، باعتبارها اجتهادا يناسب مغرب اليوم، في انفتاح على التطور الذي نحن أشد ما نكون تمسكا بالسير عليه، بحكمة وتدرج.

وبصفتنا أميرا للموءمنين، فإننا سننظر إلى عملكم، في هذا الشأن، من منطلق قوله تعالى // وشاورهم في الأمر//، وقوله عز وجل // فإذا عزمت فتوكل على الله//.

وحرصا من جلالتنا، على توفير الشروط الكفيلة بحسن تطبيق مدونة الأسرة، وجهنا رسالة ملكية إلى وزيرنا في العدل . وقد أوضحنا فيها أن هذه المدونة، مهما تضمنت من عناصر الإصلاح، فإن تفعيلها يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل، وعصري وفعال، لا سيما وقد تبين من خلال تطبيق المدونة الحالية، أن جوانب القصور والخلل لا ترجع فقط إلى بنودها، ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري موءهل، ماديا وبشريا ومسطريا، لتوفير كل شروط العدل والانصاف، مع السرعة في البت في القضايا، والتعجيل بتنفيذها.

كما أمرناه بالإسراع بإيجاد مقرات لائقة لقضاء الأسرة، بمختلف محاكم المملكة، والعناية بتكوين أطر موءهلة من كافة المستويات، نظرا للسلطات التي يخولها هذا المشروع للقضاء، فضلا عن ضرورة الاسراع بإحداث صندوق التكافل العائلي.

كما أمرناه أيضا، بأن يرفع إلى جلالتنا اقتراحات بشأن تكوين لجنة من ذوي الاختصاص، لاعداد دليل عملي، يتضمن مختلف الأحكام والنصوص ، والاجراءات المتعلقة بقضاء الاسرة، ليكون مرجعا موحدا لهذا القضاء، وبمثابة مسطرة لمدونة الأسرة، مع العمل على تقليص الآجال، المتعلقة بالبت في تنفيذ قضاياها الواردة في قانون المسطرة المدنية، الجاري به العمل.

كما يتعين القيام بحملة إعلامية موسعة، لتوعية كل الفئات الشعبية بأهمية هذا الإصلاح، بمشاركة الفعاليات الفقهية والفكرية والسياسية.

ومهما كانت أهمية القضايا المعروضة عليكم، فإن القضية الوطنية المقدسة للوحدة الترابية للمملكة، تظل في صدارة ما يتعين أن نعبىء أنفسنا جميعا له، داعين إياكم إلى تفعيل الديبلوماسية البرلمانية، في الدفاع عنها، في كل المحافل والمناسبات، بكل إقدام وفعالية، منوهين بالاسهام القوي لممثلي الاقاليم الجنوبية، في المؤسسات المنتخبة، المؤكد لانخراطهم في توجهنا الوطني، لتدبير شؤونهم المحلية، بصفة ديمقراطية، في إطار الوحدة الوطنية والترابية للمملكة، وتراص صفوف شعبنا العزيز حولها بقيادة جلالتنا.

وإني لعازم على المضي بكل الإصلاحات الجوهرية، بمشاركة كل الطاقات الحية، وفي مقدمتها الشباب، لترسيخ روح المواطنة الايجابية لديه، بالإسهام في بناء مغرب الديمقراطية والتضامن والتنمية، الذي نجدد التأكيد على جعل هذه السنة، سنة تقوية ركائزه الكبرى ألا وهي .. الأسرة المستقرة والمدرسة الرائدة والجماعة المعبأة لخدمة الصالح العام، وتوطيد أركان الدولة الديمقراطية القوية، بمؤسساتها الفعالة.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2004-2005

> الجمعة 08 أكتوبر 2004

"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه .


حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان، إننا نعتبر افتتاحنا الدستوري للسنة التشريعية، فرصة لمخاطبة النخبة النيابية والسياسية، ومن خلالها شعبنا الأبي، حول قضاياه الكبرى. كما أن حرصنا المتجدد على تبادل المشورة معكم في أحوال الأمة، لا يعادله إلا شعورنا القوي، بجسامة الأمانة، والتزامنا بمنهجيتنا في الحكم، التي تجعلنا نتوخى إشراك البرلمان، في بلوغ الهدف الأسمى، لبناء مغرب ديمقراطي موحد، منتج وتضامني، متقدم ومنفتح.
ونود أن نعرب عن اعتزازنا بإجماع كل مكونات الشعب المغربي حول التوجهات الاستراتيجية، التي حددناها في خطاب العرش. كما نشيد باستعداد الأحزاب السياسية للانخراط فيها، وتجاوبها مع حرصنا على نهوضها بدورها الأساسي، في التوعية والتأطير، وتكوين نخبة مؤهلة لتدبير الشأن العام ورفع التحدي المصيري، للتنمية الشاملة، بالمنهج الحضاري للديمقراطيـة الحقة.
لذلك، ارتأينا أن نركز خطابنا على تقوية دور الأحزاب، بإيجاد إطار تشريعي جديد وفعال، يستمد فيه الحزب شرعيته القانونية من مشروعيته الديمقراطية. ويأتي بإجابات جماعية متميزة عن قضايا مجتمعية عريضة . وليس تلبية لمطامح شخصية أو فئوية ضيقة.
إن من شأن هذا القانون، الذي ندعوكم للتداول فيه وإقراره، خلال هذه السنة التشريعية، أن يساعد على عقلنة وتجديد، وتحصين المشهد السياسي الوطني، وتحفيز الأحزاب المتجانسة على الاتحاد في أقطاب قوية. كما أنه يعد تجسيدا لحرصنا على توطيد التحديث المؤسسي، بما يكفل عدم إضرار التعددية الحزبية العشوائية، بالقطبية السياسية الفعالة. بل إننا نتوخى من هذا القانون، أن يساهم في تمكيننا في أفق انتخابات 2007، من التوفر على خارطة سياسية واضحة، تتيح لنا، وفقا لنتائج الاقتراع، إناطة المسؤولية الحكومية بأغلبية برلمانية منسجمة في برامجها وقطبيتها، على أن تقـوم الأقلية بدور المعارضة البرلمانية البناءة، في احترام لحقوقها.
بيد أن هذا القانون المؤسس يظل غير كاف، ما لم يواكبه برنامج تعاقدي للتأهيل الشامل للمشهد السياسي والإعلامي. برنامج تكون الدولة شريكة لهيآته ووسائطه، بمدها إياهم بوسائل العمل. وذلك في مراعاة لإشعاعها ولتمثيليتها النيابية، المستمدة من نظام انتخابي فعال وملائم. وفي نطاق احترام إحداثها وبرامجها، وطرق تمويلها وتسييرها وأنظمتها الداخلية، للديمقراطية والشفافية. وكل ذلك في ظل سيادة القانون ومراقبة القضاء.
وكما أكدنا على ذلك في خطاب العرش، فإننا حريصون على أن يتمخض هذا القانون عن توافق إيجابي يسمو به إلى أعلى الدرجات. وعن تشاور واسع وبناء، يجسد غيرتنا على هيآتنا السياسية، ونبذنا للتحامل المجاني عليها، أو التنكر الرخيص لها. فكل الأحزاب الوطنية قد ساهمت، سواء من موقع الأغلبية أو المعارضة، في توطيد صرح الدولة الحديثة للحق والمؤسسات، في نطاق الملكية الدستورية. إن هذا المشروع الذي نعتبره لبنة أساسية للسير قدما بالانتقال الديمقراطي إلى الأمام، يقتضي تأهيل العمل النيابي، بتجاوز البرلمانية التمثيلية الكلاسيكية إلى البرلمانية العصرية.
وذلك بترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة، ترفض المزايدات السياسوية العقيمة. برلمانية ناجعة تشجع الشراكة مع الفاعلين العموميين والخواص. وإننا لندعوكم إلى الإسهام من خلال ديبلوماسية نيابية فعالة ومنفتحة، في الإشعاع الدولي للمغرب، والدفاع عن مصالحه العليا. فالبرلمانية الجديدة هي فضاء لممارسة السياسة باعتبارها فن الممكن، ولغة الحقيقة "والمعقول". وليست مجالا للشعبوية والديماغوجية. وذلكم هو سبيلنا الوحيد لتحقيق مصالحة المغاربة مع العمل السياسي النبيل.
وستظل الديمقراطية السياسية صورية وهشة، إذا لم تدعمها التعبئة والمشاركة المكثفة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية قوية ومستديمة. بل إن أعداء الديمقراطية قد يوظفون ما توفره من حريات للقضاء عليها، مستغلين بؤس المحرومين ويأسهم.
ومن ثمة كان تركيزنا على أن يتواكب التحديث السياسي، بمكاسبه الهامة، في مجال ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، مع إصلاحات كبرى في مجال تفعيل التضامن الاجتماعي، وتوطيد التحديث الاقتصادي. 
وفي هذا السياق، فإننا نعتبر أن المناخ العام مناسب، أكثر من أي وقت مضى، قصد إعطاء الإقلاع الاقتصادي وتيرته القصوى، لتحقيق نمو اقتصادي قوي وقار، موفر لفرص الشغل المنتج للشباب.
وإننا لندعو الحكومة، وكل الفاعلين، إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية، واثقين من توفرنا على العزيمة الراسخة، والمؤهلات الضرورية للنجاح ولكسب رهاناتها، مستشعرين بأن الظرفية الوطنية والدولية، بالرغم من مصاعبها وطوارئها، لا تسمح لنا بإخلاف موعدنا التاريخي مع هذا التحدي المصيري.
كما نحث الحكومة على مواصلة مضاعفة الجهود، لإزاحة كل العوائق أمام حاجة البلاد الملحة لتحفيز الاستثمار المنتج، والتوظيف الأمثل لكل الإمكانات والطاقات المتاحة لنا، داخل وخارج البلاد، والإقدام على اتخاذ القرارات الشجاعة والصائبة، التي تتطلبها المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى للبلاد. وبذلكم تجسد توجهنا الراسخ نحو السير بالإقلاع الاقتصادي دوما إلى الأمام، ضمن رؤية واضحة وتقدم موصول إلى الأعلى، لا رجعة فيه.
كما يتعين على الحكومة، اتخاذ القرارات الحكيمة والجريئة التي تتطلبها المصلحة العليا للوطن والمواطنين، من خلال ابتكار حلول جريئة ومسؤولة، للمعادلات الوطنية الصعبة. معادلات التوفيق بين الحفاظ على التوازنات المالية والاجتماعية، وبين إكراهات أعباء التسيير الاستهلاكية، ومستلزمات تمويل الاستثمار المنتج، وأيضا بين دينامية توسيع الحريات العامة والفردية، وبين متطلبات الحفاظ على النظام العام، تفاديا للفجوة بين التطور الديمقراطي والواقع الاجتماعي.
حضرات السيدات والسادة البرلمانيين، إن على كل المواطنين، أن يتحلوا بروح الإلتزام، والارتفاع إلى مستوى المرحلة الحالية. مرحلة من حقنا الاعتزاز بكوننا نضع فيها أركانا عتيدة، لبناء مغرب اليوم والغد. ولكن من واجبنا اليقظة والتعبئة. واستشعار أن بلدنا يواجه تحديات استهداف ديمقراطيته وهويته المتميزة، من طرف الإرهاب والتطرف المحدق بالعالم كله.
ومحـاولات النيل من وحدته الترابية من لدن خصومها والأطماع الخارجية، وإعاقة تقدمه من قبل ضعف الإنتاجية، والتنافسية والتنمية البشرية.
ومهما كانت جسامة هذه التحديات، فإن رفعها رهين، بتعبئتنا الشاملة، وعملنا الدؤوب، وصمودنا لبناء مجتمع ديمقراطي تنموي. وهذا ما يشهد به تاريخ المغرب العريق. فقد ظل بفضل الالتحام الوثيق بين الشعب والعرش، منارة للحرية وقلعة حصينة في وجه الكيد والمؤامرات، وأطماع الهيمنة، معبأً للدفاع المستميت عن حريته وأمنه ووحدته. كما سيبقى متشبثا بأسلوبه الحضاري في الحوار والانفتاح، والوفاء بالعهود، وحسن الجوار، والحرص على استقرار فضائه الاستراتيجي.
وسنواصل قيادة وتعبئة شعبنا الوفي على هذا النهج القويم. وكما أعلنا عن ذلك في أول خطاب للعرش، فإننا لا نملك عصـا سحرية لحل كل المعضلات. بيد أنني أؤكد لشعبي الأبي، أن لدينا ما هو أقوى من ذلك ، ألا وهو العزم الأكيد، والتفاؤل الملتزم بتوجه مستقبلي واعد، كفيل بجعل نور الأمل والعمل والاستبشار، يهزم ظلام اليأس والتشاؤم والتخاذل، سلاحنا الوحيد هو إرادتنا الراسخة، التي هي من إرادة شعبنا، واثقين في قدرتنا الجماعية على رفع تحديات الحاضر والمستقبل، بالتحام وإقدام وإيمان .
" إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا". صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2005-2006

> الجمعة 14 أكتوبر 2005

" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.



حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان المحترمين، نستحضر، بكل خشوع وإجلال، اقتران افتتاحنا لهذه السنة التشريعية، بتخليد الشعب المغربي، في العاشر من رمضان المبارك، لذكرى رحيل محرر الأمة، جدنا المنعم، جلالة الملك محمد الخامس. فقد كان، أكرم الله مثواه، رائدا في إرساء دعائم الديمقراطية، من خلال إنجازات تاريخية، وفي طليعتها إصداره، سنة1958 ، للعهد الملكي المتقدم للحريات العامة، المكرس للتعددية الحزبية، التي دسترها بعده، بكل حكمة وبعد نظر، والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه.

وستكون مصادقتكم، في مستهل هذه الدورة، على قانون جديد للأحزاب، الذي دعونا إلى وضعه، خير تعبير عن الوفاء لذكراهما العطرة، وأقوى تحفيز على جعل هذا التشريع المؤسس، نقلة نوعية إلى ما نتوخاه لأحزابنا السياسية من دور أساسي في بناء المجتمع الديمقراطي التنموي.

كما يتزامن انعقاد هذه الدورة مع ظرفية، محملة بمشاريع وإصلاحات هيكلية واعدة، واستحقاقات ملزمة، في شتى المجالات، وأوراش تنموية مفتوحة، في كل الجهات، لا بد لتحقيق برامجها الطموحة، ورفع ما يكتنفها من إكراهات، ورهانات وتحديات، من التشبع بروح التعبئة والعمل، والثقة والأمل.

وإذا كان شروعنا في إنجاز الشطر الأول من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قد مكننا من المعاينة الشخصية لمدى الخصاص، والتفاوتات والحاجيات، فقد جعلنا نقف ميدانيا، على مدى الانخراط القوي فيها من كل الفئات، بوازع المواطنة الإيجابية.

مواطنة قائمة على تحمل المسؤولية، والمشاركة في إبداع الحلول الأكثر واقعية، للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية، التي لا تنتظر المواعيد الانتخابية، ولا أن تبقى مرهونة بها.

وفي هذا الصدد، نؤكد ضرورة توعية كل مغربي بأن مصيره يتوقف على مبادراته، وإقدامه على العمل الجماعي، الذي يمر عبر تأطيره عن طريق الهيآت المؤهلة، وفي طليعتها الأحزاب، التي نعتبرها مدارس للوطنية والمواطنة الحقة. بل الأداة المثلى لتربية كل المغاربة على حسن المشاركة، في تدبير الشأن العام، وممارسة العمل السياسي، بمعناه النبيل.

وذلكم هو النهج القويم، الذي أعمل جاهداً على توطيد أركانه، مؤكداً غير ما مرة، ومن أعلى هذا المنبر، على إعادة الاعتبار للهيآت السياسية. اقتناعا منا بأنه لا ديمقراطية فعلية وملموسة، إلا بأحزاب قوية ومسؤولة.

ومن ثم كان حرصنا على تقويتها، من خلال توفير إطار قانوني متقدم، يكفل لها الديمقراطية في التأسيس والتنظيم، والتسيير. فضلا عن توفير الدعم المادي القار والشفاف، الذي يأخذ بعين الاعتبار قدرتها على التأطير والتمثيل. وسيظل هدفنا الأسمى، تمكين الأحزاب الوطنية من المناعة اللازمة، وتحصين مشهدنا الحزبي من البلقنة المعيقة للنهوض بدورها الدستوري، على الوجه المطلوب.

بيد أن هذا النص المؤسس سيبقى، مهما تكن مصداقيته، مجرد إطار تشريعي، ما لم يبادر الفاعلون السياسيون إلى إضفاء الدينامية الضرورية عليه. وذلك بحسن تفعيل مقتضياته، واستلهام روحه. بما يجعله انبثاقا لثقافة سياسية جديدة، ترسخ الثقة في المنظمات الحزبية والمجالس المنتخبة.

ولنا اليقين في أن أحزابنا السياسية، بغيرتها الوطنية، ستسارع إلى تجسيد تجاوبها مع التشريع الجديد، ليس فقط بتقليص مدة الملاءمة الشكلية، بتعديل أنظمتها الأساسية وفقه، وإنما أيضا بجعل هذه الملاءمة أكثر عمقا؛ بحيث تجسد روحه، سواء فيما يخص الانتقال بالعمل الحزبي من الموسمية الانتخابية، إلى الاستمرارية التأطيرية ؛ أو في استيعاب النخب الجديدة، ولاسيما منها الشباب والنساء. كما ندعوها لتكريس قصارى نشاطها الميداني، لترسيخ روح المواطنة الفاعلة، وتربية الأجيال الصاعدة على المشاركة الديمقراطية، وتحصينها من مساوئ الفراغ السياسي، وعواقبه الوخيمة.

وبرغم أهميته، فإننا نعتبر قانون الأحزاب ليس نهاية المطاف. وإنما هو خطوة أولى أساسية، في المسار الحيوي البناء، ليس فقط لإعادة ترتيب بيتها، لكسب استحقاقاتها الانتخابية المشروعة. ولكن أيضا لتحقيق ما نتوخاه جميعا، من انبثاق مشهد سياسي معقلن، قائم على تحالفات قوية، وأقطاب متمايزة، لا بكثرة ألوانها، ولكن بتنافسيتها حول مشاريع تنموية مضبوطة.

وسيظل استكمال وتعزيز هذا التأهيل الحزبي، في بعده التشريعي، رهينا بنظام انتخابي ناجع وملائم. لذلك أصدرنا تعليماتنا للحكومة، قصد العمل، في إطار من التشاور الواسع، والتوافق البناء، على أن تكون مدونة الانتخابات، معتمدة ومعروفة، قبل سنة من موعد الاقتراع. بما يتيح وضوح الرؤية، وتخليق المنافسة المتكافئة، الكفيلة بخوض انتخابات حرة وتعددية. وذلكم هو السبيل القويم، لبلوغ ما نتطلع إليه من إفراز أغلبية حكومية منسجمة، ومعارضة نيابية بناءة.

إن هذا التحديث التشريعي لقانوني الأحزاب والانتخابات، لن يعطي ثماره كاملة، ما لم يقترن بتأهيل سياسي أكثر شمولية، وأضمن لترسيخ ثقة المواطن، وتحفيزه على المشاركة في مؤسساته النيابية والحزبية والجمعوية.

وفي هذا الإطار، فإن المؤسسة البرلمانية مطالبة بالنهوض بدور مهم في هذا المسار الجاد. وذلك بإعطاء شحنة قوية، لتنشيط العمل النيابي، على جميع مستوياته : تشريعا إصلاحيا، ومراقبة مسؤولة، وتأطيرا ميدانيا، وديبلوماسية موازية مقدامة، تستهدف جعل التطور الديمقراطي لبلادنا، في خدمة الدفاع عن مغربية صحرائنا.

وإننا لندعو كل الفاعلين إلى تعبئة جهودهم وتضافرها، في مواجهة الحملات المغرضة، المدبرة من قبل خصوم وحدتنا الترابية، وذلك بالتصدي القوي لها في كل المحافل، لفضح الأساليب والمناورات الدنيئة.
حضرات النائبات والنواب المحترمين، تجسيدا للمكانة التي نوليها لمؤسستكم الموقرة، وحرصا منا على توسيع مجال الممارسة الديمقراطية بكيفية ملموسة، فقد قررنا أن يتولى البرلمان، على غرار مدونة الأسرة، البت في إصلاح التشريع المتعلق بالجنسية، بالمنظور الشمولي للمواطنة المسؤولة، والمتشبعة بالثوابت الوطنية المقدسة.

وإننا نتوخى من التأهيل السياسي الشامل، تعبيد الطريق أمام الإصلاح المؤسسي العميق، الهادف إلى توطيد الدولة القوية، بالملكية الدستورية المواطنة، وبالمؤسسات الديمقراطية المسؤولة والناجعة، وبالتنمية البشرية المستدامة، وتعزيز الحكامة الجيدة.

غير أن الإصلاح المؤسسي الذي نحرص عليه، لا يجب أن يحجب عنا أنه سيظل، بدون تنمية بشرية، صوريا. بل ونوعا من الترف السياسي، بالنسبة للجماهير الشعبية ، التي تعتبر العمل من أجل توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، والرزق الحلال، في ظل العفاف والكفاف، شغلها الشاغل. ولأجل ذلك، فإنه لا مناص لنا من الإسراع بالنمو الاقتصادي، باعتباره انخراطا جادا، وعملا دؤوبا على إنتاج الثروات، بالمبادرة الحرة والاجتهاد. بدل ترديده كشعار ينادي به الجميع، ويحوله لنوع من المطالب النقابية، التي يمكن تلبيتها بمجرد إصدار قرار.

فبلادنا وإن كانت تسجل نموا اقتصاديا ملحوظا، إلا أنها لم تعبئ بعد كل طاقاتها، لتتقدم فيه بالوتيرة القصوى، والسير الحثيث على قدميها معا، في توازن وتكامل بين التنمية والديمقراطية، وبين ترشيد القطاع العام، ونهوض القطاع الخاص بدور قاطرة النمو. إن المشكل ليس في أننا أمام معضلة صعبة. وإنما في كوننا نضع كل عبئها على كاهل الدولة بمفردها، دون إشراك الفاعلين الآخرين.

ولوضع حد لهذا المشي المختل على قدم واحدة، فإنه يتعين على الجميع، الإقدام على إيجاد حلول ناجعة لها، في الوقت الملائم، وبقرارات جريئة وفعالة، والتخطيط العقلاني والمحكم، الذي هو ثمرة التربية الصالحة، والتنشئة السياسية والاجتماعية التشاركية. ومن ثمة كان تركيزنا على بناء ثقافة المواطنة الإيجابية. بكل ما تعنيه من تحول إلى عقلية المواطن الفاعل- المبادر، والمشارك- المنتج، بدل السلبية والتواكلية والانتظارية. وهو ما يتطلب النفس الطويل، الذي يرتبط فيه تقدم المواطن بقابليته للتقدم. ذلك أنه لا يمكن تطوير المغرب، إلا بسواعد أبنائه وعقولهم، والسعي الحثيث في سبيل تغيير ما بأنفسهم. كما أنه لا يمكن إصلاح البلاد بدون صلاح العباد.

وإننا لنسأل الله سبحانه، في هذه الأجواء الروحانية، لشهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، أن يجعلنا من " الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنه.

أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب". صدق الله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2006-2007

> الجمعة 13 أكتوبر 2006

 الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه 

 

"حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين، يأتي افتتاحنا للسنة التشريعية الحالية، في سياق حافل بالمنجزات، مفتوح على العديد من الاستحقاقات، وواعد برفع شتى التحديات. 

كما يتزامن مع آخر سنة تشريعية نيابية، واستشراف أخرى، في إطار مرحلة مطبوعة بتجديد المؤسسات. 

وهذا ما يتطلب وقفة موضوعية مع الذات، بكل حكمة ورزانة. هدفنا تحصين مكتسباتنا، وترسيخ مواطن القوة في مسارنا الديمقراطي والتنموي، والتصدي لمكامن الخلل فيه.

إنه مسار شاق وطويل، لا حد لكماله. ذلك أننا نعتبر أن الديمقراطية والتنمية ورشان متكاملان، مفتوحان باستمرار. فهما أكثر من مساطر وهياكل وتجهيزات. إنهما قبل كل شيء، تعبير عن طموح وطني مشترك، وتجسيد لمذهبنا في الحكم، بمنظوره الشامل، القائم على ضمان أوسع مشاركة للمواطنين، في كل القضايا الوطنية المصيرية، والمشاريع والإصلاحات الهيكلية الكبرى. 

وبفضل هذا النهج القويم تمكنا، ولله الحمد، من تحقيق إصلاحات جريئة ومكاسب مشهود بها، في القضايا الكبرى للأمة، وفي طليعتها اعتماد مدونة رائدة للأسرة، وتعزيز حقوق الإنسان، في إطار المصالحة والإنصاف، وإعادة الاعتبار للأمازيغية، وتوسيع فضاء الحريات العامة، ترسيخا لدولة القانون، وإطلاق مبادرة وطنية واعدة للتنمية البشرية. وذلك ضمن منظور شمولي للنهوض بحقوق الإنسان، في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. 

وقد أقدمنا على هذه الإصلاحات العميقة، من خلال ابتكار حلول متميزة وأصيلة، نابعة من إرادة وطنية خالصة، وبكل ما يتطلبه الأمر من أناة وتبصر، لإنضاجها وتبنيها من مختلف مكونات الأمة، باعتبارها تجسيدا للإرادة الجماعية للمغاربة. 

وذلكم هو النهج الديمقراطي الذي سلكناه، لضمان أوسع مشاركة وطنية، وأقوى انخراط محلي، في بلورة مشروع الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية، كحل سياسي توافقي ونهائي، للنزاع المفتعل حول مغربيتها، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية. 

وإننا لعازمون على المضي قدما في ترسيخ خيارنا الديمقراطي، الذي لا رجعة فيه، بالنظر إلى ما يمتلكه بلدنا من ضمانات جوهرية ثابتة، نحن عليها مؤتمنون، مهما تغيرت الظرفيات والأغلبيات. 

ويأتي في طليعة هذه الضمانات، الإجماع الوطني الراسخ على ثوابت الأمة ومقدساتها، والتوافق الواسع حول خياراتها الأساسية. 

وبفضل ما لنا من إرادة سياسية ثابتة، في توطيد صرحنا الديمقراطي، وما وفرناه من آليات مؤسسية، فقد حققنا عدة منجزات على درب تعزيز دولة الحق، من خلال إصلاحات سياسية عميقة. وهو ما جعل بلدنا نموذجا في مجال التطور الديمقراطي.

وسنواصل عملنا الدؤوب، لاستكمال كل متطلبات التجديد والتطوير والتأهيل لمنظومتنا المؤسسية، بحكمة والتزام. 

فالديمقراطية الحقة ليست وصفة جاهزة، وإنما تبنى على مراحل، بالالتزام المسؤول والشجاعة ونكران الذات. إنها تقوم بالأساس، على المشاركة الشعبية، وعلى مصداقية المؤسسات، ومدى مساهمتها في تعزيز الحكامة الجيدة، وتحقيق التنمية البشرية.

وعلى الأمد المنظور، وفي أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، نود التوجه إلى كل الأطراف الفاعلة في الممارسة الديمقراطية، من هيأة ناخبة، وأحزاب سياسية، وسلطات عمومية، برسائل واضحة: فللمواطنين أقول: إن المواطنة المسؤولة تستوجب المشاركة الإيجابية، في كل مجالات الحياة الوطنية. فالمطلوب منكم ليس مجرد الإدلاء بأصواتكم فقط، ولا النظر إلى السياسة على أنها لحظة اقتراع، أو مسألة احتراف حزبي، تحتكره الطبقة السياسية وحدها. بل المطلوب هو الانخراط القوي والمستمر في العمل السياسي الملتزم، على كل مستوياته الديمقراطية، وأوراشه التنموية . 

ومن منطلق إيماننا بأنه لا ديمقراطية تمثيلية بدون أحزاب، فإننا ندعو الهيآت السياسية، وهي تخوض غمار الانتخابات التشريعية القادمة، لاحترام الناخب ومخاطبته بلغة الوضوح والحقيقة، وأن تختار من هم أجدر بتحمل أمانة الانتداب النيابي، باعتبار البرلمان القلب النابض للديمقراطية، وأرفع تعبير عن الإرادة الشعبية . 

كما سيكون عليها أن تتصدى في برامجها للقضايا الكبرى للبلاد، وأن تقترح لها افكارا جديدة، وآليات قابلة للتنفيذ. فالانتخابات فرصة للتباري بين البرامج والمشاريع أكثر منها تنافسا على المقاعد والمواقع. وهو ما يتطلب قيام تحالفات، كفيلة بإفراز أغلبية منسجمة، ومعارضة بناءة، ضمن مشهد سياسي معقلن وسليم . 

وفي السياق نفسه، نوجه حكومتنا إلى مواصلة العمل على توفير كل الضمانات، لإجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، وعلى تأمين شروط المنافسة الشريفة، بالتزام الحياد الايجابي، في مختلف مراحل العملية الانتخابية، والتصدي لكل الخروقات. 

وإننا لندعو مختلف الفاعلين المعنيين بالعملية الانتخابية، إلى المساهمة بفعالية في جهود تخليقها ، والسمو بها عن المزايدات العقيمة ، وعن الاستعمال اللامشروع للمال والنفوذ مع الترفع عن الحسابات الشخصية والحزبية ، وجعل مصلحة الوطن والمواطنين هي العليا . 

حضرات السيدات والسادة، مهما تكن مكاسبنا في بناء الديمقراطية، فإنها بدون اقترانها بالتنمية البشرية، ستظل مجرد هياكل صورية. 

لذلك نعتبر أن التنمية البشرية، بتوفيرها لوسائل العيش الكريم، هي خير دعامة لتحقيق الديمقراطية. كما أن الديمقراطية، بتعميقها للوعي بالالتزام الوطني، تعد تنمية سياسية فعلية تساهم في النهوض بالتنمية البشرية. 

وعلى هذا الأساس، كان إطلاقنا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، باعتبارها ليست مجرد عمل ظرفي محصور في الزمان والمكان، وإنما هي ورش مفتوح باستمرار ، يهدف الى الحد من الفقر والهشاشة والتهميش الاجتماعي. هاته الآفات التي تشكل الانشغال الحقيقي للمواطنين، والمعيقات الاساسية للبناء الديمقراطي. 

ومن هذا المنطلق، كان حرصنا على أن تعتمد هذه المبادرة مقاربة جديدة في التعامل مع القضايا الاجتماعية، تقوم على التوفيق بين الرهانات الشمولية وبين الانشغالات اليومية للمواطن، في اطار تنمية متضامنة، حتى لا يبقى مصير مواطنينا المعوزين، ومن يعاني منهم أوضاعا صعبة، رهينا بتفاوتات النمو الاقتصادي أو بما يتم توفيره من مساعدات، تنمية بشرية متضامنة، تقوم على امداد مواطنينا بالوسائل التي تتيح لهم تحرير طاقاتهم، واستثمار مؤهلاتهم الذاتية ، وتمكنهم من التكفل بأنفسهم. 

وبالنظر لكونها وسيلة لتعلم المشاركة المواطنة وممارستها، وورشا محوريا لالتقاء السياسات والبرامج العمومية وتناسقها، فإن المبادرة قد شكلت في حد ذاتها قطيعة، مع أنماط التفكير والطرق التقليدية لتدبير الشأن العام، بل وتنطوي على قطيعات عديدة، على مستوى التخطيط والتمويل والانجاز والتقييم واللاتمركز، قطيعات من شأنها تعزيز المسار الديمقراطي . 

واذا كانت جولاتنا عبر ربوع المملكة ، قد مكنتنا من الوقوف على الانجازات التي تحققت ، وعلى بعض المعيقات والصعوبات ، التي يتعين التصدي لها، فإن ما نتوخاه من هذه المبادرة هو احداث تغيير في ثقافة وسلوك الفاعلين فيها، والمستفيدين من برامجها، على حد سواء، بترسيخ مبادىء المشاركة والشراكة والحكامة الجيدة، باعتبارها من صميم الممارسة الديمقراطية الحديث . 

وسنظل، بعون الله تعالى، ملتزمين بتحقيق ما ينشده شعبنا الأبي ، من بناء مغرب قوي بوحدته وتنميته ، وخياره الديمقراطي. 

"إن أريد الا الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب " .

صدق الله العظيم  

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2007-2008

> الجمعة 12 أكتوبر 2007

الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،

حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين، نفتتح بعون الله وتوفيقه، الولاية التشريعية الثامنة، التي لا نعتبرها جديدة فقط بانتخاب مجلس النواب، بكامل الشفافية والحرية. ولكن أيضا في جوهرها. وذلكم اعتبارا لما ننتظره خلالها، من مواصلة تغيير مناهج وبرامج العمل البرلماني والحكومي، غايتنا تعزيز مصالحة المواطن مع المجالس المنتخبة، بجعلها رافعة قوية للتنمية والديمقراطية.

ونتوجه بالتهنئة لأعضاء مجلسكم الموقر، مؤكدين تقديرنا للأحزاب الجادة، ومن خلالها للمواطنين، الذين لم تكن مشاركتهم المواطنة في الانتخاب، بروح التنافسية والثقة، في مسارنا السياسي المتقدم، لتنحصر في يوم الاقتراع فقط، وإنما ينبغي أن تكون تجسيدا للتعبئة الدائمة، ولإعادة الاعتبار لنضالية العمل السياسي، من قبل كل الفاعلين.

ولن يتأتى ذلك، إلا بالقطيعة مع البؤس، سياسة وواقعا. فالسياسة بمعناها النبيل، ليست مجرد حملة انتخابية، أو وصلة إشهارية، بل هي فن الممكن بين الحاجيات والإمكانات، والتوعية الدائمة للشعب، والعمل التنموي الميداني، الكفيل بإيجاد حلول ملموسة لمعادلتها الصعبة. فالفرق بين الواقع والأمل، هو العمل، ثم العمل، ثم العمل. الذي جعله الله مقدما على العبادة.

كما أن النيابة عن الأمة ليست امتيازا، أو ريع مركز، أو حصانة لمصالح شخصية، بل هي أمانة جسيمة والتزام بالصالح العام.

وتلكم سبيلنا للانخراط الجماعي في البناء الديمقراطي التنموي، الذي نحرص على توسيع فضائه، ليشمل كل القوى الحية للأمة، وفي مقدمتها جاليتنا العزيزة المقيمة بالخارج، التي سنواصل هذا المسار التدريجي، لإدماجها في الحياة الوطنية، بوضع اللبنة الجديدة لإقامة المجلس الأعلى الخاص بها.

واستخلاصا للعبرة وتفعيلها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، المحلية والجهوية، فإنه يجدر الاستعداد الجيد لها، ليس بالملاسنات الديماغوجية، والحسابات الضيقة، وإنما بالتأهيل السياسي الشامل لكل الفاعلين والمؤسسات والتنظيمات، وخاصة منها الأحزاب السياسية بتجاوزها للملاءمة الشكلية مع إطارها القانوني، إلى التفاعل مع مستجدات المجتمع المغربي ومتغيراته.

وهذا ما يقتضي من الجميع القرب الدائم من المواطن وانشغالاته، بعيدا عن الاغراءات الوهمية والوعود التضليلية، المحرفة لقيم الدين والمواطنة.

ويظل هدفنا الأسمى تأهيل كل الفاعلين، في أفق الإصلاح المؤسسي، الذي يتوخى ترسيخ التطور الديمقراطي والتنموي، بالحكامة الجيدة. وذلك في التزام بمقدسات الأمة وثوابتها.

فعلى الجميع أن ينكب على تحقيق ما هو أهم بالنسبة للمواطن. ألا وهو، بكل بساطة، عيش حر كريم قوامه: وطن موحد. أمن واستقرار. تعليم جيد. تربية صالحة. شغل منتج.

اقتصاد تنافسي. سكن لائق. تغطية صحية. إدارة فعالة ونزيهة. قضاء عادل ومستقل.

كرامة موفورة. ومواطنة كاملة، حقوقا وواجبات.

وإن تلبية هذه المطالب الشعبية التي كانت موضوعا للتنافس الانتخابي، تقتضي تصريفها في ثلاثة توجهات أساسية للعمل الحكومي والبرلماني. وهي قضية مصيرية، ومقومات دولة، وأسبقيات ملحة.

ويعد تحصين الإجماع، حول وحدتنا الترابية، القضية المصيرية الأولى للوطن والأمة، إذ يتعين مواصلة العمل، على حشد المزيد من الدعم لمبادرتنا، المقدامة وذات المصداقية، للحكم الذاتي، بغية الحسم الدولي النهائي، للمنازعة المفتعلة حول مغربية صحرائنا.

ثانيها توطيد ركائز الدولة القوية بسيادة القانون، والحفاظ على الهوية الوطنية، في انفتاح على العصر. فضلا عن دعم الأمن والاستقرار، والتحصين من نوازع التطرف ومخاطر الإرهاب.

وثالثها، التركيز على ثلاث أسبقيات ملحة. وفي مقدمتها، مواصلة الإصلاحات، وتعزيز المكاسب السياسية وحقوق الإنسان، والمشاريع الهيكلية الكبرى، والإدارة الترابية، والسياحة والإسكان، والتوازنات الماكرو-اقتصادية، والإنتاجية والتنافسية، وتحديث القطاعات العمومية، وتحفيز المبادرة الحرة، وتشجيع المقاولة المنتجة، والقطاع الخاص.

وبموازاة ذلك، يتعين إعطاء دفعة قوية، لبعض القطاعات، قصد الرفع من وتيرة إنجازها. وفي صدارتها، كسب الرهان الحيوي، للإصلاح العميق للتربية والتكوين، الذي يتوقف عليه مستقبل الأجيال الحاضرة والصاعدة.

وإننا لندعو الحكومة المقبلة لأن تسارع إلى بلورة مخطط استعجالي، لتعزيز ما تم تحقيقه، وتدارك ما فات، من خلال التفعيل الأمثل لمقتضيات الميثاق، واعتماد الحلول الشجاعة والناجعة للمعضلات الحقيقية لهذا القطاع الحيوي، وذلك بتشاور وتنسيق مع المؤسسة الدستورية التمثيلية، للمجلس الأعلى للتعليم.

كما يتعين ترسيخ الحكامة الجيدة. بالإصلاح الإداري، وتأهيل وتحديث الاقتصاد، للحد من معضلة البطالة، وإيجاد الشغل، مع مواصلة التعبئة حول مبادرتنا الوطنية للتنمية البشرية. لمكافحة الفقر والإقصاء والتهميش.

بيد أن التفعيل الأمثل لهذه الأوراش التنموية، لن يستقيم إلا بالجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري، اللذين نعتبرهما عماد الدولة العصرية.

كما أنه لن يكتمل إلا بإصلاح العدل وتحديثه وتأهيله، دعما لاستقلاله، وللأمن القضائي، ولسيادة القانون والتنمية. وإننا لعازمون على الإعداد التشاوري الواسع والمتخصص، لميثاق وطني مضبوط، للتغيير العميق والشامل للقضاء.

كما يتعين أن تكون من بين الأسبقيات الجديدة، ماأكدناه، من اعتماد سياسة فلاحية وطاقية ومائية جديدة. فضلا عن التنمية الترابية ، الحضرية والقروية.

ويبقى انخراط المواطن، في كل مناحي الحياة العامة، شرط نجاح أي سياسة أو إصلاح.

حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين، لقد ذكرنا برهانات الولاية التشريعية ، نهوضا بالأمانة العظمى الملقاة على عاتقنا، ومن خلال الوقوف الميداني على أحوال شعبنا الأبي، بكل فئاته، وبمختلف جهات المملكة.

ونهوضا بأمانتنا في السهر على حسن سير المؤسسات الدستورية، فمن واجبي التأكيد على أنه بقدر حرصنا على تكوين حكومة متراصة ومنسجمة، مدعومة من قبل أغلبية برلمانية، وتحاسبها معارضة بناءة. فإننا نريد برلمانا أكثر فعالية .

برلمانا يمارس بنجاعة، كافة اختصاصاته التشريعية والرقابية والتمثيلية، يشكل قدوة للمؤسسات الدستورية، في نهوضها بصلاحياتها كاملة، فلا شيء يحول دون ذلك، إلا في نطاق الدستور، وفصل السلط وتوازنها وتعاونها، الذي نحن على تكريسه ساهرون.

برلمانا يساهم في زيادة الإشعاع الدولي للمغرب، مستحضرا كل الاستحقاقات المقبلة، ومنها دخول اتفاقيات التبادل الحر حيز التنفيذ، ورفع تحديات العولمة في انتهاج لدبلوماسية برلمانية محترفة .

إنه البرلمان الذي يستكمل مصالحة كل المواطنين مع المجالس المنتخبة. وهو ما يتطلب إجراء قطيعة مع بعض المظاهر والسلوكات المشينة، التي تسيء لصورة المؤسسة التشريعية، وتمس بمصداقية العمل النيابي والسياسي.

كما ينبغي العمل على تفادي أي خلط في الأدوار، بين ما هو وطني من صميم اختصاص البرلمان، وماهو محلي من صلاحيات الجماعات الترابية. فالبرلمان ليس جماعة محلية.

لذلك أحرص على أن يظل في قمة الصرح الديمقراطي، في انكبابه على السياسات والقضايا الوطنية الكبرى، الداخلية والخارجية.

وبما أنه لا يمكن تصور حياة سياسية ولا نجاعة العمل الحكومي ، بدون معارضة إيجابية ومسؤولة، فإنه يجدر الإصغاء لأفكارها، متى كانت بناءة، ساعية في سبيل صالح الأمة ، شأنها في ذلك شأن الأغلبية.

إن التعارض الحقيقي، الذي علينا مواجهته، هو بين الديمقراطية والتسلط- والتقدم والتخلف- والعمل والتواكل- والانفتاح والانغلاق.

وفي نفس السياق، وكما أكدت ذلك من أعلى هذا المنبر، فإني أدعو للتنسيق والتعاون بين المجلسين، في اتجاه عقلنة وترشيد عملهما باعتبارهما برلمانا واحدا، تتكامل فيه الأدوار، وليس برلمانين مختلفين.

لقد قطع المغرب الكثير من الأشواط، في مساره السياسي المتقدم، وتغلب على العديد من الأزمات والمعضلات. وذلك بفضل قيادتنا الحازمة، ومنهجنا في الحكم، وجهود وتضحيات جميع المغاربة، وانخراطهم في الأوراش التنموية التي أطلقناها. سلاحنا الذي لا يقهر هو الخيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه.

وسأظل، كما عهدتموني، الخديم الأول للشعب المغربي الأبي، الساهر الأمين على ثوابت الأمة ومقدساتها، حريصا على الوقوف الميداني على إنجاز الإصلاحات الهيكلية الكبرى التزاما مني بعهد البيعة المقدسة.

والله تعالى نسأل، في هذه الأجواء الروحانية، لشهر رمضان الفضيل، أن يعينكم، ويسدد على طريق الخير والصالح العام خطاكم، للنهوض بمسؤولياتكم الجسيمة.

فهنيئا لكم ولشعبنا الوفي بعيد الفطرالسعيد، أعاده الله علينا جميعا، ونحن بأماناتنا قائمون ولعهودنا راعون .

"فذكر إنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر".

صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2008-2009

> الجمعة 10 أكتوبر 2008

"الحمد لله, والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه, حضرات السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين, يشكل افتتاحنا لدورة أكتوبر2008 , مناسبة متجددة للتواصل مع ممثلي الأمة حول القضايا الوطنية الكبرى.
ومما يميز السنة التشريعية الحالية, أنها تأتي في سياق مطبوع بخوض استحقاقات وطنية هامة, ومن بينها, ما يحظى باهتمامكم في الأفق المنظور, من إجراء سلسلة انتخابات, ستؤدي إلى التجديد الجزئي لثلث مجلس المستشارين.
كما ستفرز بالأساس, التركيبة القادمة للجماعات المحلية, التي نعتبرها القاعدة الأساسية للديمقراطية والمجال الخصب لتفاعلها الإيجابي مع التنمية.
وهو ما يفرض على كل ذي غيرة وطنية صادقة, وانشغال بترسيخ مصداقية الانتخابات؛ أن يعتبرها استحقاقات ديمقراطية وتنموية في آن واحد. تقتضي منافسة مفتوحة, ببرامج مضبوطة, في التزام جماعي بالصالح العام, والعمل على نبذ كل ممارسة سياسوية دنيئة, لم يعد لها مكان في مغرب اليوم.
وعندما نجعل كسب معركة التنمية محور الرهان الانتخابي, فإن ذلك لا يعني تجريده من طابعه الديمقراطي, أو الأخذ بالمقولة الزائفة لنهاية السياسة.
كلا, إننا ما فتئنا نؤكد ضرورة تقوية العمل السياسي, القائم على المشاركة المسؤولة للأحزاب الجادة في حسن تدبير الشأن العام على أساس نتائج الا قتراع.
وهو ما يتطلب توسيع الانخراط الملتزم لكافة الفئات الاجتماعية, وفي طليعتها الشباب, ليسهم بطاقاته وطموحاته البناءة, ليس فقط في الاختيار الواعي لممثليه, بل أيضا في تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام المحلي؛ باعتباره الأساس المتين للحكامة الجيدة.
ولهذه الغاية, نوجه الحكومة لاتخاذ التدابير اللازمة, قصد تخفيض السن القانوني للترشيح الانتخابي للجماعات المحلية من23 إلى21 سنة.
وفي نفس السياق, ندعو الحكومة والبرلمان إلى التعاون المثمر من أجل إيجاد الآليات الناجعة لتشجيع حضور ملائم وأوسع للمرأة في المجالس الجماعية؛ ترشيحا وانتخابا.
غايتنا المثلى, ضمان التمثيلية المنصفة للنساء في الجماعات المحلية, وبالأساس, تمكين مجالسها من الإفادة من عطاء المرأة المغربية المؤهلة؛ بما هو معهود فيها من نزاهة وواقعية وغيرة اجتماعية.
ولا يخفى عليكم أن الجماعات المحلية تعد المحك الفعلي لترسيخ ثقة المواطن في الهيآت التمثيلية, لأنها مجالس مؤتمنة على حاجياته الأساسية ومعيشه اليومي.
لذا, يتعين على الجميع ألا يد خر جهداً في جعل الانتخابات المقبلة استحقاقات تنموية, وليس مجرد رهانات سياسوية.
ويتمثل التحدي الانتخابي الفعلي, يتمثل في كسب رهان التنافسية الحقة, القائمة على تعددية نوعية, تنصب حول مخططات تنموية مضبوطة, وليس مجرد تعددية شكلية, مقتصرة على تضخم أعداد المرشحين, والألوان والرموز, بدون أي تمايز نوعي في الا ختيارات والبرامج.
وإننا لمصممون على تفعيل الإرادة الجماعية لجعل التنافسية متكافئة بين كل الهيآت والمرشحين, بدون أي تمييز. كما أننا حريصون على أن يتجسد ذلك, في جعل الهيئات السياسية, أغلبية ومعارضة, على بينة من موعد الانتخاب, حتى يتاح للجميع خوضه على قدم المساواة.
ولهذه الغاية, نعلن اليوم أن انتخابات المجالس المحلية, البلدية والقروية, ستجري في12 يونيو2009 , إن شاء الله.
وإننا لنتوخى من الأحزاب السياسية الفاعلة أن تجعل من الفترة الفاصلة, بيننا وبين هذا التاريخ, فرصة لبلورة برامج للتنمية المحلية المندمجة, ولانتقاء النخب المؤهلة للنهوض بها بكل كفاءة وأمانة.
كما ندعو الجميع, سلطات وهيآت, أفرادا وجماعات, إلى الإلتزام باحترام القانون بكل مسؤولية ويقظة وتجرد وحزم في ضمان مساواة الأحزاب السياسية وكافة المواطنين أمامه, بدون أي مفاضلة.
أعضاء البرلمان المحترمين، 
تعلمون أن الاقتراعات المقبلة لا تخص فقط الأحزاب السياسية, أو الجماعات المحلية, وإنما تشمل أيضاً مؤسسات أخرى أناط بها الدستور مهمة تأطير وتمثيل المواطنين, وهي المنظمات النقابية والغرف المهنية, التي نؤكد على دعمها, لتنهض بدورها في بناء اقتصاد منتج ومجتمع متضامن.
وبنفس العزم, فإننا حريصون على إشراك كل القوى المنتجة, وذات الخبرة الواسعة, في بلورة الاختيارات التنموية الكبرى لبلادنا.
ويندرج قرارنا بإقامة المجلس الاقتصادي والاجتماعي, ضمن توجهنا الراسخ, للتأهيل المستمر للإصلاح المؤسسي الشامل.
وإننا نتوخى من تفعيل هذه المؤسسة الدستورية, ذات الطابع التنموي, تعزيز منظومة الهيآت الاستشارية الوطنية, التي أبانت عن مصداقيتها وفعاليتها في المجال السياسي والحقوقي.
وتجسيدا لعزمنا على تنصيب هذا المجلس, في أقرب الآجال, ندعو الحكومة إلى التعجيل بإعداد مشروع قانونه التنظيمي, وإيداعه بالبرلمان قبل متم دورته الحالية.
حضرات السيدات والسادة, إن حرصنا على ترسيخ دولة القانون وتخليق الحياة العامة, منهج متكامل؛ لا يقتصر على مجرد مظاهر إدارية أو سياسية أو عمليات انتخابية, وإنما يمتد إلى المجال الحيوي لسلامة وشفافية المعاملات الاقتصادية.
كما أن الحكامة الجيدة لا يمكن اختزالها في المجال الحقوقي أو السياسي فقط, بل تشمل أيضا الميدان الاقتصادي.
ومن هذا المنطلق, نعتبر التخليق الشامل من مستلزمات توطيد دولة الحق في مجال الأعمال, وهو ما يقتضي تعزيز الآليات اللازمة لضمان التنافسية المفتوحة, وصيانة حرية السوق من كل أشكال الاحتكار المفروض ومراكز الريع, والوقاية من كل الممارسات الشائنة.
وفي هذا السياق, يندرج حرصنا على تفعيل مجلس المنافسة والهيأة المركزية للوقاية من الرشوة, وكذا توفير مجموعة من التشريعات والآليات لحماية حرية المبادرة, وضمان المنافسة النزيهة.
وإننا لنحث مختلف الهيآت أن تمارس الصلاحيات المنوطة بها, على الوجه الأكمل, وبما يتطلبه الأمر من حزم وإقدام وغيرة على الصالح العام. منتظرين منها أن تشكل سلطة معنوية وقوة اقتراحية تساهم, بعزم كفاءاتها, في المجهود الوطني لمكافحة كل أشكال الفساد, وما سواه من الممارسات المخالفة للقانون وللقيم الأخلاقية.
ومع إدراكنا بأن الرشوة تعد معضلة لا يسلم منها أي مجتمع, فإننا لا نعتبرها قدرا محتوما. وقد آن الأوان للتصدي لأضرارها الوخيمة, المعرقلة للتنمية, والمنافية للقانون والمواطنة والتعاليم الدينية.
لذا يتعين على الجميع, أفرادا وجماعات, سلطات وهيآت, مكافحتها بالإرادة الحازمة, والصرامة في تطبيق القانون؛ مراقبة ومساءلة ومحاسبة وعقوبات زجرية.
معشر البرلمانيين
إن بلدنا يواجه تحديات داخلية, ما فتئنا نعمل على رفعها بإصلاحات عميقة, وأوراش تنموية, وطنية ومحلية. وهذا ما يتطلب منكم الانخراط القوي في المجهود الإصلاحي الوطني, من خلال تشريعات متقدمة ومراقبة ناجعة, وتأطير ميداني فعال للناخبين.
كما أن بلدنا يواجه, أيضا, تحديات خارجية, جهوية؛ مغاربيا وساحليا, ودولية مشحونة بمخاطر أمنية وبإكراهات التنمية والعولمة.
ولا سبيل لمواجهتها, إلا بمواصلة نهجنا الاستراتيجي, القائم على التعبئة الوطنية, والاندماج الإقليمي, والانفتاح الإيجابي, على ما توفره التحولات الدولية من فرص التقدم.
وهذا ما يقتضي منكم عدم الاكتفاء بالقضايا الداخلية. وبالأخص, عدم الانغلاق على الانشغالات الانتخابية, على أهميتها.
لذا, فإن الواجب الوطني يدعوكم, أكثر من أي وقت مضى, إلى مضاعفة الجهود, لتعزيز حضور المغرب في مختلف المحافل الجهوية والدولية, التي للبرلمانات فيها صوت مسموع, جاعلين غايتكم المثلى, الإسهام في الدفاع عن مختلف القضايا الكبرى للأمة. وفي صدارتها, كسب المزيد من الدعم, لقضية وحدتنا الترابية. باعتبارها أسبقية الأسبقيات.
وإن لكم في التطور الديمقراطي, الذي حققته بلادنا, رصيدا يتعين عليكم حسن استثماره. من خلال دبلوماسية برلمانية ناجعة, ومتناسقة مع الحكومة.
حضرات السيدات والسادة, إننا حريصون على التفعيل الأمثل لدور المؤسسات, بإسهامها, بكيفية أقوى, في تفعيل الاختيارات الوطنية الكبرى, وبانتهاج ما ارتضيناه من ديمقراطية تشاركية, بما تنطوي عليه من عمق تنموي, وروح مواطنة.
وسأظل إن شاء الله, ساهرا على أن يسير المغرب بخطى دؤوبة على هذا النهج القويم, لنحقق المزيد من التطور على درب الوحدة والاستقرار والتقدم والازدهار.
سبيلنا إلى ذلك, تحفيز المبادرات المثمرة, وتوفير شروط النمو القوي, والرفع من وتيرته. غايتنا, تأهيل مؤسساتنا, بالحكامة الجيدة, واقتصادنا بإنتاجيته, ومجتمعنا بتضامنه, لتيسير أسباب المواطنة الكاملة, والعيش الكريم, لشعبنا الوفي. ولاسيما فئاته المعوزة.
وتعد اللحظة الراهنة, بتطلعاتها الواعدة ومصاعبها الموضوعية, مناسبة مواتية, وبالغة الأهمية, ليأخذ بناء مغرب الغد الوتيرة العالية للإصلاح والنمو, متى عملت القوى الحية للأمة على الاستثمار الأمثل للفرص المتاحة.
فعلى الجميع أن يشمر على ساعد الجد, حتى لا تخلف بلادنا موعدها مع التاريخ.
كما أن على الكل أن يتحمل مسؤوليته, ويتحلى بالمواطنة الملتزمة, من أجل رفع كافة التحديات, الداخلية والخارجية, وكسب الاستحقاقات. ولا سبيل إلى ذلك إلا بتعبئة كل الطاقات, والتفعيل الأنجع للمؤسسات.
والله المستعان.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"

Pages